أثار مشهد مصور التقطه أحد الهواة لبائع يصرخ في مزاد علني على سلة كبيرة مملوءة بالكمأ (الفقع)، دهشة من رآه، ممزوجة بذهول الزبائن الذين تسمّروا أمام وصول سعر هذه السلة إلى نحو 15 ألف ريال، وهي قيمة وصفها كثيرون بـ «المبالغ فيها». إلا أن الإقبال الكبير على شراء «الفقع»، في موسمه يفسر سبب وصول سعره لهذا المستوى «الخيالي». وأظهر الفيديو الذي نال نسبة مشاهدة عالية جداً على موقع «يوتيوب»، وانتشاراً أوسع من طريق وسائل التواصل الاجتماعي، امتعاض المتجمهرين من «المبالغة» في عرض هذا الفطر المحلي إلى ما وصل إليه. بينما علق البعض بأنه «مشهد غير حقيقي»، مستبعدين أن يصل السعر إلى حدود 15 ألفاً. وأظهر مقطع آخر، أطرف حالة بحث عن «الفقع»، إذ قصد شابان مقبرة، وأسفر التفتيش في تربتها عن وجود الكثير من «الكمأ». وهو مشهد علق عليه الكثيرون بسخرية. فيما رفضه البعض، ولكنه أظهر شغف الباحثين عن هذه النبتة، والوصول إليها في كل الأماكن. وينتشر باعة «الفقع» في الأسواق الشعبية، وعلى ناصية الشوارع الرئيسة، ولا يتحرج بعضهم من وضع ما تم جمعه من ثمار هذه النبتة في حوض سيارته «الفارهة»، ويضع لوحة «فقع للبيع». وتنخفض وترتفع الأسعار بحسب توافر هذا المنتج من ندرة الحصول عليه، وغالباً ما يسافر الباعة إلى مدن قريبة، وحتى بعيدة، من أجل جني أرباح هذه السلعة التي تجد لها سوقاً جيدةً على المستوى المحلي. وقال البائع مطلق البوسنة: «تختلف الأسعار باختلاف أنواع الفقع، وأبرزها «الزبيدي»، الذي يميل لونه إلى الأبيض، وحجمه كبير جداً. وهناك «الخلاسي» الذي يميل إلى اللون الأحمر، وهو أعلى سعراً من «الزبيدي»، وأما «الجبي» و«الهوبر» فيميلان إلى اللون الأسود. وهما أردأ أنواع الفقع. إلا أن البعض يشترون هذه الأنواع كبشارة لقرب ظهور «الزبيدي» و«الخلاسي». وعن الأسعار المرتفعة جداًً، التي يروج لها باعة وسماسرة، ذكر البوسنة أنه «لا غرابة في وصول سعر الفقع إلى ما نسمع عنه ويتداوله الناس، فكثيرون يرون أن له فوائد صحية وغذائية عالية، وهو من أطيب وألذ الفطريات الصحراوية». ويشبه الفقع البطاطا ويعرف بأسماء عدة، منها «الكمأ» أو «الترفاس» و«نبات الرعد» أو «بنت الرعد»، أو «العبلاج» كما يطلق عليه في السودان. ويستدل الباحثون عن الفقع بوجوده إما بتشقق سطح الأرض التي تحتضنه، أو من طريق تطاير الحشرات بكثرة فوقه، كدلالة على وجوده. ويفضل الباحثون عنه أن تبدأ عمليات التمشيط فجراًً أو عند الغروب. ويعامل معاملة خاصة بعد إخراجه، فيحفظ في مكان مظلم وبارد حتى لا يتغير لونه ويفسد طعمه. ويفضل الكثيرون أكله مقطعاً في مرق اللحم أو من دونه، بينما يتناوله البعض مشوياً بعد رميه داخل جمر «الغضا»، ويزين به أطباق الرز لتكون وجبة رئيسة إلى جانبه. وما يجعل هذه النبتة ذات قيمة غذائية عند الكثيرين، أنها تحوي الأحماض الأمينية الضرورية لبناء خلايا الجسم، التي أظهرتها التحاليل المخبرية، إلى جانب احتواء «الكمأة» الواحدة على تسعة في المئة من البروتين، و13 في المئة من المواد النشوية، وواحد في المئة فقط من الدهون، إلى جانب معادن مشابهة لما يحويه جسم الإنسان، مثل: الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم. وذكر سالم المري أن «الفقع مقوٍ لضعف النظر، ومعالج لأمراض عدة، بحسب ما نقل لنا أجدادنا عنه، وله فوائد علاجية كثيرة، لا تتوافر في مواد غذائية أخرى»، مضيفاً: «كان يعتقد سابقاً أن أكله يتكفل بإعادة تجديد الجلد، فهو يحارب الشيخوخة. لذا تجد الكثيرين يحرصون على شرائه. وهناك رجال أعمال خليجيون يدفعون مبالغ طائلة، للحصول عليه، لاعتقادهم أنه يجدد الشباب». وقال المري: «يعتقد البدو أن ماء هذه النبتة يشفي من أمراض تصيب العين، بينها «التراخوما». وسمعت قصصاً عن شفاء بعض الحالات. كما يُشار إلى إسهامه في شفاء أمراض أخرى، مثل ضعف الأظافر وتآكلها، وتساقط الشعر أيضاً، وهو ما يجعل لهذا الغذاء رواجاً كبيراً في الأسواق المحلية». وتزايدت التحذيرات الطبية من تناول «فقع» قبل استوائه، لتسببه في عسر الهضم وآلام في الجهاز الهضمي. فيما لم تمنع تحذيرات اختصاصيي تغذية من وجوب الكشف والفحص عن الكميات المعروضة في الأسواق، التي يمكن أن يكون بعضها غير قابل للأكل، ويحوي نسبة من السموم العالية، والتقليل من حالة الطلب على هذه النبتة، التي تفتح شهية الباعة لعرضها، إذ تدر أموالاً باهظة.
مشاركة :