باريس: ميشال أبو نجم بينما يسعى النظام السوري إلى الإيحاء بأن زيارة البرلمانيين الفرنسيين الأربعة إلى سوريا منذ يوم الثلاثاء تحمل في طياتها بواكير تغيير في سياسة باريس إزاء النظام في دمشق، قالت مصادر دبلوماسية فرنسية رفيعة المستوى إن بلادها «ليست لديها نية في تغيير سياستها»، وإنها «ما زالت متمسكة بوثيقة جنيف» كإطار للحل السياسي في سوريا. ودرءا لأي سوء فهم أو تقدير، حرصت الخارجية الفرنسية منذ بداية الأسبوع على تأكيد أن الوفد البرلماني المشكل من نائبين ومن عضوين من مجلس الشيوخ «لم ينسق زيارته مع المراجع الرسمية»، كما أنه «لا يحمل أي رسالة رسمية» مشددة في الوقت عينه على الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومن جانبه، قال الناطق باسم الحكومة الوزير ستيفان لوفول، إن الزيارة جاءت بـ«مبادرة شخصية» من البرلمانيين و«ليست بتاتا مبادرة رسمية من الحكومة الفرنسية» التي جمدت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام ورحلت سفيرها من دمشق في ربيع عام 2012. وتعترف باريس بمنذر ماخوس سفيرا لسوريا لديها. اللافت في الزيارة هو الأهمية القصوى التي أولتها الحكومة السورية للوفد المشكل من النائب اليميني جاك ميار والاشتراكي جيرار بابت وعضوي مجلس الشيوخ جان بيار فيال، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية - السورية وزميله فرنسوا زوتشيتو، من حزب الوسط. والتقى الوفد أمس الرئيس السوري وقبلها وزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ميار قوله إن الزيارة «تمت بشكل جيد وسوف نقدم تقريرا لمن يهمه الأمر». واعترف ميار بأن الزيارة «مبادرة شخصية لنرى ما يحصل ونستمع وسوف نستخلص من ذلك العبر». وترى باريس أن النظام في سوريا سيحاول استغلال الزيارة دعائيا كما أنه يسعى منذ زمن لـ«عرض خدماته» على الغرب وتقديم نفسه على أنه «الحضن المنيع بوجه الإرهاب» وبالتالي يتعين التعاون معه. وتأتي هذه التطورات على خلفية ما يعتقد أنه عملية «خلط أوراق» في التحالفات الخاصة بسوريا، وظهور مؤشرات أوروبية حول رغبة بعض الدول في إعادة النظر في سياساتها لدرء خطر التنظيمات الجهادية وعلى رأسها «داعش». وتنشط في باريس دوائر بقيت قريبة من النظام السوري تدعو، على ضوء التهديدات الأمنية التي تتعرض لها باريس إن في الداخل أو بسبب العائدين من مسارح «القتال» إلى تفعيل التعاون الأمني مع الأجهزة السورية، الأمر الذي يشكل مدخلا لإعادة التواصل وربما التعاون بين الطرفين. وتقول المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن باريس «تعي تماما» التحولات الميدانية في سوريا وتراجع دور المعارضة المعتدلة ممثلة بالائتلاف الوطني السوري وبالجيش السوري الحر لمصلحة التنظيمات المتشددة «داعش والنصرة وأخواتهما». كما تشكو باريس من «تذبذب» الموقف الأميركي لجهة مصير النظام في دمشق وإصراره على تركيز الضربات الجوية على مواقع تنظيم داعش، واعتبار أن هدف تدريب «العناصر المعتدلة» الذي سيبدأ عمليا الشهر القادم في تركيا وفي بلدان أخرى في المنطقة «محاربة داعش». وتشير المصادر الفرنسية كذلك إلى «تعب» الأوروبيين من الأزمة السورية التي يرون أنها «تراوح مكانها» وغياب أي «رافعة» من شأنها إحداث تغيير في الوضع الميداني أو السياسي. وتزداد الأمور ضبابية في ظل استفحال الظاهرة الإرهابية ووصولها إلى الشواطئ الليبية التي لا تبعد عن الشواطئ الإيطالية سوى 350 كلم. بيد أن هذه العوامل، على أهميتها، لم تنجح حتى الآن في زحزحة الموقف الفرنسي الرسمي الذي ما زال يتمسك بوثيقة جنيف ويعتبر أن «الأسد جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل»، وبالتالي يؤكد أنه لا يمكن الاختيار بين إرهاب «داعش» وديكتاتورية الأسد. وأصبح معروفا أن باريس تنادي بحل سياسي من خلال الحوار بين «عناصر من النظام» ليس بينها الفئة القريبة جدا من النظام وبين المعارضة المعتدلة، والتوافق على قيام سلطة انتقالية بحسب منطوق وثيقة جنيف. وبرأي باريس، فإن بقاء الأسد يعني «الانزلاق نحو داعش»، خصوصا من قبل المكون السني الذي يقول: «داعش ولا الأسد». كذلك تعتبر المصادر الدبلوماسية أن تصورا كهذا «أقصر طريق لتقسيم سوريا والعراق معا وقيام كيانات طائفية - إثنية من شأنها تهديد الاستقرار في مجمل الشرق الأوسط». بموجب هذه النظرة، يمكن تفهم تمسك باريس بموقفها المبدئي، رغم التغيرات التي لحقت بالوضع السوري منذ ولادة وثيقة جنيف حتى اليوم. لكن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها باريس هي أن هذا الموقف لا يجد له سندا حقيقيا على أرض الواقع بسبب تهاوي مواقع المعارضة المعتدلة التي وضعت فيها فرنسا كل آمالها، وبسبب الواقع الميداني الذي يجعل سوريا اليوم مقسمة عمليا ما بين خلافة داعش و«إمارة» النصرة وأقاليم النظام. وكانت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) قد قالت إن الأسد استقبل أمس في دمشق وفدا برلمانيا فرنسيا، برئاسة عضو مجلس الشيوخ الفرنسي جان بيير فيال رئيس لجنة الصداقة الفرنسية السورية في المجلس. ونقلت عن الأسد قوله للوفد «إن محاربة الإرهاب تتطلب إرادة سياسية حقيقية وإيمانا فعليا بأن الفائدة ستعود بالمنفعة على الجميع تماما، كما أن المخاطر ستهدد الجميع، وإذا تم التعامل مع هذه القضية وفق هذا المبدأ، فمن المؤكد أننا سنشهد نتائج إيجابية ملموسة في أسرع وقت».
مشاركة :