في كتاب من الورق الفاخر تم سرد حياة (أمير المحرق.. فهد بن عبدالرحمن بن جلال) والذي عاش خلال الفترة (1939-1880)، فقد صدر الكتاب للباحث بشار الحادي في 133 صفحة من الحجم الكبير مع مجموعة كبيرة من الصور والوثائق والمرويات الشفهية المنقولة لفترة من أهم فترات بناء الدولة الحديثة والمجتمع المدني وقيام مؤسسات الدولة. ليس عجبًا أن نقرأ في تاريخ عاصمة الثقافة الاسلامية 2018م (المحرق) عن شخوص قد نسيهم التاريخ وتجاوزتهم مشاغل الحياة وطلب الرزق، فلازال هناك الكثير لمعرفته عن تلك المرحلة المهمة والتي شهدت أحداثًا وتحولات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، وشخوصًا بأهمية المرحلة في القوة والخبرة والمكانة، فساهموا في بناء الدولة والدفاع عن مكتسباتها وتعزيز الأمن والاستقرار فيها، وهذه وغيرها هي التي دفعت فهد بن عبدالرحمن بن جلال إلى أن يصبح أميرًا على المحرق. لقد عاش بن جلال (الابن) في فريج الشيوخ حيث مقر الحكم في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وبيوت الاسرة المالكة، وعمل في الكثير من المهن مثل بيع وشراء وتأجير العقارات، وكذلك شراء وبيع اللؤلؤ، ثم تدرج في العمل الأمني من حارس الى رئيس الحراس، وكانت له علاقات كبيرة وقوية مع رجالات الدولة حتى حظي بثقة الحكم فتم تعيينه في العام 1913م أميرًا للمحرق، واستمر في عمله الى العام 1928م. لقد أسندت الى أمير المحرق (فهد بن عبدالرحمن بن جلال) مسؤولية المحرق بمدنها وقراها وذلك قبل فترة اكتشاف النفط، وقد كانت صلاحياته كما جاءت في الوثائق البريطانية أنها شبيهة بصلاحيات أمير المنامة (سعد بن عامر الهزاني) ومنها: صلاحية محدودة في فض المنازعات الصغرى والشكاوى، التأكد من تطبيق الإعلانات التي يصدرها الحاكم، يتبع أمير المحرق العديد من العيون ومهمتهم تقصي الأخبار، وللأمير مجموعة من الحراس المسلحين ببنادق للقبض على المخالفين، يتبع الامير جامعي المكوس والضرائب، الإشراف على تطبيق الاتفاقيات الخارجية، متابعة الأمور المخلة بالآداب والمنافية للقيم، تسهيل مهام كبار الزوار في البحرين، متابعة مخزون البحرين من التمور، أن يكون وسيطًا بين الملاك والمستأجرين، التواصل مع الوكيل الاخباري، وتطبيق الأمن الوقائي أو الحجر الصحي. لقد تضمن الكتاب وثيقة للمطالبة بالاصلاحات وذلك في العام 1927م، فقد وقع على وثيقة المطالبة بإنشاء مجلس بلدي بالمحرق أسوة ببلدية المنامة عدد 39 من أعيان المحرق ووجهائها ومنهم أمير المحرق (فهد بن عبدالرحمن بن جلال)، وهو الامر الذي يؤكد على بواكير المطالبة بالاصلاحات الإدارية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، ولقد تم التحول من نظام الأمير إلى نظام الشرطة تدريجيًا حتى العام 1932م، وهو العام الذي تشكلت فيه النواة الاولى للشرطة بعدد لا يتجاوز 200 شرطي. لقد جاءت الاشادة بالأمير فهد بن عبدالرحمن بن جلال من قبل القاضي الرئيس الشيخ قاسم بن مهزع، ففي العام 1924م كتب القاضي الرئيس وثيقة مهمة وهي تزكية دينية وشرعية لكل من الأمير فهد بن عبدالرحمن بن جلال ويوسف بن عبدالرحمن فخرو واحمد بن جاسم الجودر وعبدالله سيادي، وتضمن الكتاب الكثير من الوثائق البريطانية التي تتحدث عن أمير المحرق ومكانته ودوره في تعزيز الأمن والاستقرار ومحاسبة الخارجين على القانون، فقد قدم خلال سنوات عمله 1928-1913م الكثير في سبيل تعزيز الدولة الحديثة، وتلك التضحيات والإسهامات ما كان لها أن ترى النور وأن يتعرف أبناء اليوم على تاريخ المؤسسين الأوائل لولا الجهد الكبير الذي قدمته عائلة بن جلال في حفظ تلك الوثائق والصور واخراجها في كتاب ذي قيمة تاريخية تتزين به المكتبات العامة. مع الصفحات الاخيرة من الكتاب تأكد لي أن هناك الكثير ممن ضحى وقدم لهذا الوطن، ولربما نحتاج الى مضاعفة الجهد لتدوين ذلك التاريخ المغيب، لقد زاد شعوري بالفخر والاعتزاز بهذا الوطن ورجالاته، من هنا فإن المسؤولية تحتم على الجميع استخراج الوثائق والصور وإعادة كتابة التاريخ، فأمير المحرق هو صفحة من صفحات تاريخنا الوطني المجيد.
مشاركة :