في مقالها* لـ DW عربية ترصد رشا حلوة تجدُّد الجدل حول الزواج المدني في لبنان، إثر إعلان وزيرة الداخلية اللبنانية ريّا الحسن، عن نيّتها لفتح باب الحوار حول هذا الملف، وذلك مع الجهات الدينية جميعها في لبنان. باسثناء تونس، لا من دولة عربية تشرّع الزواج المدني، بالمقابل فالعديد منها تقوم بتسجيله بعد أن يُقام الزواج المدني خارج أراضي الدولة، بمعنى، في لبنان، تزوّج وما زال يتزوّج العديد من خلال عقد مدني، إلا أنه يُقام في قبرص أو في دولة أوروبية أخرى، ومن ثم يعود الأزواج إلى بلدهم ويسجلون زواجهم هناك، ويتم الاعتراف به، حيث يشابه هذا الواقع العديد من البلاد العربية أيضًا مع بعض الاختلافات. إن الجدل حول الزواج المدني في لبنان على وجه الخصوص، ليس جديدًا، بل بدأ منذ سنوات الستين، إلا أن الواقع السياسي والتاريخي والطائفي، كبلد يعيش فيه حوالي 18 طائفة، لكل منها قوانينها ومحاكمها، وصراعاتها، فإن تشريع الزواج المدني لن يكون "لصالح" الواقع السياسي والمصالح السياسية وكذلك الطائفية المتنوعة، خاصة في ظل غياب قانون موحّد للأحوال الشخصية، بما يتعلق بالزواج، الأطفال، الطلاق، وغيرها.. وبالتالي، بدءًا من الزواج واستمرارًا بكل ما يتعلق به من بناء أسرة وحتى تفكيكها، يعود ذلك إلى المحاكم الدينية التابعة لكل طائفة. من الجدير بالذكر سريعًا، بأن الزواج المدني، أو يُسمى أحيانًا بالزواج العلماني، هو زواج يتم توثيقه لدى جهة حكومية، وبالأساس محكمة حكومية، ولا يرتكز على أي شيء له علاقة بالأديان السماوية، فإن صُلب الزواج المدني يلغي الفروقات الدينية، المذهبية والعرقية بين طرفي الزواج، وبالتالي، فإن اختلاف الأديان أو الطوائف بين طرفي الزواج، لا يشكّل أي إشكالية في سيرورة وعقد الزواج المدني/ العلماني. وعند الزواج، يحصل طرفيه على كامل حقوقهم المدنية، الاجتماعية والسياسية، وفقًا لقوانين الدولة، وعدم منح أي حق من هذه الحقوق يعتبر مخالفة لقانون الدولة التي أتاحت هذا الزواج. وبالنسبة للديانات السماوية أجمعها (الإسلامية، المسيحية واليهودية)، فان الزواج المدني يخالف أحكامها، خاصة في دول ما زالت الأديان تشكّل جزءًا أساسيًا من تشريع قوانينها، كما هو الواقع في أغلب الدول العربية، حيث لا من فصل بين الدين والدولة والتشريعات القانونية. بمعنى، إن أدوار المؤسسات الدينية لا تقتصر فقط على الإيمان الفردي أو الجماعي، أو الروحانيات وعلاقة الإنسان بدينه، بل بتفاصيل حياته اليومية أيضًا، وقراراته المصيرية، كالزواج، الإنجاب والطلاق، وما إلى ذلك. بالعموم، يلجأ طرفا الزواج للعقد المدني/ العلماني، عندما ينتمي كل من الطرفين إلى دين آخر، وبالتالي، فإن عقد الزواج الديني يحتم أحيانًا على طرف من الطرفين بتغيير دينه، وهو ما لا يرغب به البعض كخيار شخصي. لكن من جهة ثانية، هنالك من يريد أن يتزوج مدنيًا، حتى لو كان الطرفين من نفس الدين أو الطائفة، وهو قرار نابع بالأساس من نهج علماني يتبعه الأفراد، ويرون بفكرة الزواج على أنها فكرة مدنية ومتعلقة بحقوق المواطن وبالأساس المرأة، وليس من المفترض على الجهات الدينية أن تفرضه، تتدخل فيه أو تضع له قوانين، بالتالي ليس على الزواج وقرار الزوجين، حتى بالطلاق ومن ثم الإرث، أن يكون تحت سيطرة سلطة دينية. في حديث مع الكاتبة والصحافية اللبنانية يارا الحركة، حول الواقع اللبناني إزاء الزواج المدني، قالت: "ملف الزواج مسيّطر عليه من قبل رجال الدين، ويتحكمون فيه من كل جوانبه، وبالتالي، مع تشريع الزواج المدني، سيكون هنالك كسر لجزء مهم من التحكم الطائفي في لبنان، عبر عدم إخضاع عامل أساسي، أي الزواج والعائلة، لسلطة دينية لقرار الزواج أو الطلاق أو الإرث. الاحتكام للقانون المدني، يغيّب دور السلطة الدينية والتي هي جزء لا يتجزأ من الهيكلية السياسية في البلد والتقسيم الطائفي فيه". وفيما يتعلق بالموقف الشعبي حول ملف الزواج المدني في لبنان، تتابع يارا: "إن رفض الزواج المدني على المستوى الشعبي، نابع من أن مسألة الشرعية المدنية مغيّبة عن الناس، وغير واضحة بالنسبة لهم، بمعنى تغييب مبدأ الاحتكام لقانون واضح وصريح، على أنه لا يميّز بين ذكر وأنثى، وبين طائفة وأخرى بل يضمن حق المواطن". إن إعلان وزيرة الداخلية اللبنانية، ريّا الحسن، بفتح ملف الزواج المدني من جديد، بالطبع أثار ضجة في لبنان على مستويات عديدة، منها معارضة متجسّدة بالجهات التي عارضت هذا الزواج دومًا، والتي من مصلحتها عدم تشريعه، وكذلك ضجة إيجابية داعمة لمثل هذه الخطوة، منها التي تجسّدت عبر السوشيال ميديا من خلال الهاشتاغ (الوسم): "#نعم للزواج المدني". فإن المطالبة بتشريع الزواج المدني، في لبنان وأي دولة عربية، هو مطالبة بصلبها متعلقة بحقوق الإنسان، وبالأساس حقوق المرأة، ومن هنا يأخذ تصريح ريّا الحسن بعدًا إضافيًا مهمًا، بأن الزواج المدني بالضرورة يعود بالفائدة إلى واقع النساء في لبنان وأي مكان آخر. إن إقرار تونس في عام 1956 بزعامة رئيسها الأسبق الحبيب بورقيبة تشريع الزواج المدني، كأولى الدول العربية التي خطت على خطى أوروبا، فيما يتعلق بفصل الدين عن القانون والأحوال الشخصية، عاد بالفائدة على واقع المرأة التونسية وحقوقها. عندها، نصّ قانون الأحوال الشخصية على منع تعدد الزواجات، ومنع أي صيغة خارج الزواج المدني. وبالتالي، إن الزواج المدني يضمن حقوق المرأة، منها عدم السماح للرجل بأن يتزوج امرأة ثانية، يساوي بين الزوجين بالإنفاق، كما أن الزواج المدني يعطي حق الطلاق لطرفي الزواج بالتساوي، بمعنى، للمرأة الحق بتطليق نفسها. لذلك، وفي هذا السياق، من المهم الإشارة والتأكيد، بأن عدم تشريع الزواج المدني بأساسه يعود بالفائدة إلى مواصلة تركيبة وبنيّة المجتمعات الأبوية التي نعيش فيها، القامعة للمرأة خاصة، وأن الزواج المدني وانتشاره، بالضرورة سوف يُفقد السيطرة الذكورية على المجتمع والقوانين.. وعلى ما يبدو، فقدان السيطرة هذا ليس ما تريده جهات سياسية عديدة في لبنان وغيره. *الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :