في مقالها* لـDW عربية تستعرض الكاتبة الصحفية رشا حلوة هواجس نساء عربيات في ألمانيا بشأن تربية أطفالهن على مفاهيم نسوية ودون تقسيم جندري مجتمعي. تشكّل الأسئلة الوجوديّة التي تحيط بإنجاب الأطفال إلى هذا العالم، هاجسًا لدى العديد من البشر، كما أنها تمتد إلى أسئلة متعلّقة في تربية الأطفال لحظة الحمل، خلاله وإلى ما بعد الولادة؛ في القيّم والأخلاق وماهية التربيّة "الصحيحة"، حيث نجد أن العديد من الأمهات والآباء في عصرنا اليوم، يبحرون في الكتب وشبكات الإنترنت لقراءة أبحاث وتجارب عديدة تصبّ في مسألة التربيّة. من هواجس التربيّة أيضًا التي يعيشها بعض الأمهات والآباء، الحريصين/ات على هذه المسألة وتأثيرها على الفرد والمجتمع، هي قضيّة الجندر، أي النوع الاجتماعيّ أو الجنوسة، وهي منظومة اجتماعيّة تميّز بين الجنسيْن، بين الذكر والأنثى، بما يتعدى الفروقات البيولوجيّة إلى الاجتماعيّة، بما في ذلك، هي منظومة مبنيّة على علاقات القوة بين النساء والرجال، التميّيز والعنف ضد النساء وعدم المساواة بين الجنسيْن، وغيرها. ومن هُنا، الكثير من الأمهات والآباء، وبالأساس عند لحظة معرفة جنس الجنين في رحم المرأة، يعيشون ويعيشن صراعًا وأسئلة مستمرة: كيف يمكنني، كأم نسويّة و/أو كأب نسويّ، أن أربّي ابني على تبني مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ورفض الثقافة الذكوريّة التي تحتضن التمييز والعنف ضد النساء وتحتفي به أحيانًا؟ بداية، من المهم التذكير بأن النسويّة، هي ليست بعبعًا، وفي حديثنا عنها، نتحدث عن مبدأ وحق إنسانيّ طبيعيّ مفاده المساواة بين الذكر والأنثى في كلّ شيء. الأمر الثاني هو أنّ فكرة هذا المقال جاءت بالأساس من وحي حديث مع صديقة من سوريا، مقيمة مع شريكها في برلين وأمّ لطفل يبلغ من العمر خمسة شهور، حيث عبّرت عن هاجسها المتعلّق بتربيّة ابنها على مبدأ المساواة بين الجنسيْن، واستمرارًا لحديثنا قالت: "نسمع تعليقات كثيرة مليئة بعدم الاحترام للنساء من الرجال، هذا الواقع يجعلني أعبّر لشريكي دومًا عن خوفي من أن يقلل ابني من احترامي يومًا ما، لأن الرجل الذي يقلل من احترام المرأة يكون أحيانًا ضحية والدته التي تخبره بأن المرأة هي ضلع ناقص. أخاف أن ينظر لي ابني يومًا ما بنظرة دونيّة. أنا حذرة بتربيّته، كما أني أنتبه إلى تراكمات باطنيّة في داخلي متعلّقة بالتربيّة الجندريّة، بمعنى، أخاف أن تسقط مني سهوًا جملة مثل لا تبكي لأن الرجال لا يبكون، أو لا تبلس هذا اللون لأنه ليس رجاليًا!". القلق من تربيّة الأبناء (الذكور) على مفاهيم ذكوريّة ولا ترتكز على مبدأ المساواة بين الرّجل والمرأة كما والتقسيم الوظائفيّ الجندريّ هو ناتج أيضًا عن الإدراك بأن البشر مركبين، وأن هنالك عادات وأدوار يقوم بها الآباء والأمهات، لربما بشكل غير واعٍ، أو ضمن منظومات اقتصاديّة، سياسيّة ومجتمعيّة، تصب في أن يرى الطفل مبكرًا الاختلاف بالوظائف الجندريّة بين الجنسيْن، خاصّة مع بدء ملاحظته للفروقات البيولوجيّة بين الأنثى والذكر، والتي تصبّ في عدم المساواة بينهما؛ منها تحضير الأكل على سبيل المثال، تنظيف البيت، قضاء الوقت مع الطفل، وغيرها. في حديث مع صديقة من فلسطين، مقيمة هي وشريكها في برلين، وأمّ لطفل يبلغ من العمر عاميْن، قالت: "إنّ همّي الأوّل والأخير والمتواصل، بغض النظر عن كون الطفل ذكرًا أو أنثى، أن يكون إنسانًا جيدًا، أن نعطيه الكثير من الحبّ ليكون كذلك، ليحترم الناس من حوله ويحبّهم. وفوق كل هذا، لا أدري إن كان ينبع هذا من كوني نسويّة أو كمن تراقب محيطها وترى أن للرجال امتيازات أكثر يحصلون عليها من المجتمع وليس مننا، بالتالي أريد منح ابني القليل من الأدوات كي يكون ناقدًا على هذا الواقع، أن يفهم بأن للناس احتياجات أخرى مختلفة عنه، حتى وهو في هذا الجيل، أريد أن يلاحظ بأني لي كأمّ، احتياجات أيضًا، ويجب أن ينتبه لها، وذلك لأن المجتمع يلزم النساء، بل يجبرهن، على احترام رغبات غيرهن، وأن رغبات الرجال يجب أن تنفذ فورًا، كُنْ فيكن". هذا القلق والهاجس المتعلّق بتربيّة الأبناء على مبدأ المساواة بين الجنسيْن، يبدأ عند العديد مع معرفة جنس الجنين، ويواصل عند بعض الأمهات والآباء مع مسار التربيّة غير النهائيّ، ربما، لكن يزداد قوة وخوفًا مع كل خطوة يبدأ الطفل فيها باكتساب المعلومات خارج دائرة الأمان الأولى، إنّ صح التعبير. ففي ظلّ الألعاب والملابس الموزّعة حسب الألوان؛ الأزرق للأولاد والزهريّ للبنات، وفي ظلّ التوزيع الواضح لألعاب الأطفال، فالدُمى والفراشات للبنات والسيارات والجرافات وكرة القدم، وأحيانًا المخلوقات ذات بنيّة العضلات "القويّة"، هي للأولاد، وفي ظلّ انكشاف الأبناء، والبنات أيضًا، لمضامين إعلاميّة وفنيّة ترسّخ الأدوار الجندريّة في المجتمعات، كما الأدوار العنيفة التي يمارسها الرجال على النساء، منها تصوير الحبّ الحقيقيّ على أنّه العنيف معنويًا، وفي ظلّ كل هذه الفروقات الجندريّة المتجسّدة بتفاصيل صغيرة ربما، وأحيانًا لا ننتبه لها ولتأثيرها على شخصيّات أولاد سيعيشون ضمن مجتمعات بعقليّات ذكوريّة ستعمل جاهدة بالحفاظ على علاقات القوة بين الجنسيْن، ومع الاقتناع التام بأنّ "أولادكم ليسوا لكم"، إلا أنّ، في ظلّ كل هذا، بإمكان الأمهات والآباء أن يزرعوا بذرة صغيرة ومهمّة في قلوب وعقول أبنائهم/ن، ستبقى مرجعيّة في حياتهم، بذرة ستطرح الأسئلة دومًا، وتجعلهم ناقدين تجاه التمييز، الظلم والعنف ضد النساء في هذا العالم، وبالضرورة، غير متقبلين لهذا الواقع ولا يعملون على استمراريته. * المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبته وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.
مشاركة :