عمرو دوارة يتحدث عن شيخ النقاد المسرحيين: المسرحيات الرديئة أجبرته على التوقف للكتابة النقدية لعامين

  • 3/1/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

تحتفى «البوابة» بالناقد الكبير «فؤاد دوارة»، الذى يعد واحدًا من أبرز النقاد المسرحيين، صاحب المقالات الأدبية المهمة التى توضح أسلوبه الرصين، المتميز بالدقة والصراحة والوضوح، وتمثل قدرته على تلخيص الأحداث وتقديم الرؤية المتكاملة بلا مجاملة، والتقت بنجله المؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة، حارس ذاكرة المسرح المصرى، كما قال البعض عنه، والذى حمل الراية بعد رحيل والده، وتربى على موسوعته المسرحية وأسلوبه النقدى الجاد، كى يتحدث عنه باستفاضة كاملة، بداية من حياته الشخصية وطقوسه فى الكتابة، إضافة إلى علاقته بالأديب العالمى نجيب محفوظ، والكاتب والروائى أستاذه يحيى حقي، وعن سبب تفرغه لمدة ٥ أعوام على نفقته الخاصة لدراسة مسرح توفيق الحكيم، وآخر أعماله النقدية.فإلى نص الحوار..■ حدثنا عن حياة الناقد الكبير فؤاد دوارة الشخصية، وكيف كان يتعامل مع أبنائه؟ - كان رحمه الله أبا حنونا تربويا، يستطيع أن يخفى حنانه كثيرا من أجل إظهار الوجه الصارم الحازم الحاسم، وكان يؤمن بالمثل الصينى بعدم منح الجائع سمكة لأن من الأفضل أن تعلمه كيفية الصيد، وكان يوجهنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، وكان التفاهم كبيرا جدا بينه وبين والدتى زميلة الدراسة بكلية الآداب، شريكة الحياة ورفيقة الدرب، وكان يترك لها مسئولية رعاية الأبناء، خاصة بعدما ضحت بعملها لتتيح له فرصة التفرغ لأعماله الأدبية.وكان حكيما ويرى أن المثل والقيم لا تلقن إلا من خلال القدوة الحقيقية، فكان صادقا ملتزما بارا بأهله، ولا أنسى إصراره على تسليح كل منا بأعلى الشهادات وعدم اهتمامه بتوريثنا أى تركة بعد وفاته.■ كيف ربى أبناءه منذ الصغر لاستكمال مشواره النقدى بعد وفاته؟- الحقيقة أن الوالد- وبرغم اهتمامه الكبير بتزويد جميع أبنائه بالثقافات العامة وتشجيعنا على تذوق مختلف الفنون - كان حريصا كل الحرص على إبعادنا تماما عن احتراف الأدب أو الفن، وقد بذل فى سبيل ذلك كل وسائل الإقناع بصور مباشرة وغير مباشرة، ولعله نجح فى ذلك بدرجة كبيرة مع أشقائى الثلاثة.وربما دفعه إلى ذلك خوفه من مشقة الطريق وأضرار المهنة، بالإضافة إلى رغبته فى عدم اعتماد أحد منا على منجزه الشخصي، ولذا فقد اعترف لى بعد إصراري على الاحتراف ونجاحى بشهادته، أنه كان متأكدًا من أن صاحب الموهبة الحقيقية لن يستسلم مهما كانت الضغوط، وبالتالى سيحقق الاستمرارية والنجاح.■ وما طقوسه فى الكتابة النقدية والبحثية والأدبية؟ - الوالد وكجميع أبناء جيله كانت له طقوس خاصة جدا فى الكتابة، فهو لا يكتب إلا فى غرفة مكتبه بالمنزل، وخلال ساعات الليل المتأخرة عندما تهدأ الحركة ويعم السكون، وكان لا يبدأ فى الكتابة إلا بعدما يقوم بشحن نفسه بقراءة واسترجاع كل ما يخص الموضوع الذى يتناوله، كان يعشق الكتابة بالقلم الحبر والورق المسطر وعلى أضواء الأباجورة القوية، وفى السنوات الأخيرة من عمره، بعدما توقف عن التدخين بشراهة بناء على التعليمات الطبية كان يشرب القهوة والشاى بكثرة.■ وكيف كانت علاقته بالكاتب يحيى حقى؟ - كانت علاقة احترام وتقدير وثقة وصداقة حقيقية، توطدت أثناء عمل الوالد كمدير لتحرير مجلة «المجلة»، التى كان يرأس تحريرها الأديب الكبير يحيى حقي، واستمرت العلاقة قوية بل وتوطدت أكثر على مر السنوات.كان الوالد يعترف باستفادته من الثقافة الموسوعية لهذا الرائد المبدع ومن خبراته الكبيرة وحنكته ودماثة خلقه، ويعترف بفضله فى مواقف كثيرة، ولعل من أهمها تدخله المباشر فى محاولة حل الخلاف الذى نشأ بين والدى ووزير الثقافة الأسبق، ثروت عكاشة، عندما كان يعمل مديرا لمكتبه، فقد تدخل على الفور وأقنع الوزير بأن فؤاد دوارة لا يصلح لهذه المهمة لأنه بالفعل أديب ومبدع، وأنه كمثقف كبير قبل أن يكون وزيرا يجب ألا يحكم بالإعدام على موهبة شابة، بل من الأفضل أن يكتفى فقط بعقوبة نقله من مكتبه.■ عثر دوارة على ١٢ مؤلفا مجهولا ليحيى حقي، كيف كان ذلك؟ - كان الوالد مؤمنا جدا بالموهبة الكبيرة التى منحها الله للأديب الكبير يحيى حقي، وبتميز مقالاته النقدية التى تجمع بين عمق الأفكار وسلاسة المعالجة وبساطة الصياغة، فهو يصيغ مقالاته بجمل بليغة وعبارات واضحة ومفردات بسيطة وسلسة لا غموض فيها، وكان حريصا جدا على متابعة كل ما يكتبه هذا الأديب الكبير، والذى كان يفضل نشر مقالاته ببعض الصحف «من بينها صحف: المساء، وطني، التعاون».وإيمانا بأهمية تلك المقالات، وخشية من اندثارها مع الزمن، بذل الوالد مجهودا خرافيا فى تجميعها وتبويبها ونشرها فى أجزاء ضمن مجموعة أعماله الكاملة، واختير الوالد للإشراف عليها بناء على ترشيح الكاتب القدير يحيى حقي، وبالتالى فقد أضاف الوالد اثنا عشر جزءا جديدا لمجموعة أعماله الكاملة لتكتمل فى ثلاثين جزءا.■ بمن تأثر فؤاد دوارة من النقاد والكتاب وصار على منهجه النقدي؟ - لا أستطيع أن أقول صار على منهج نقدى لأحد الرواد؛ لأن لكل ناقد بصمته الخاصة، وإن لم يستطع ناقد مصرى ولا عربى من وضع منهج أو مدرسة نقدية بمجال المسرح، ولكن بصفة عامة تأثر والدى أولا بشقيقه الأكبر الأديب والصحفى والمؤلف الإذاعي، محمد دوارة، ثم بشقيقه الأكبر، سعد دوارة، الذى سبقه فى التخرج فى كلية الآداب وعمل أيضا بالترجمة والصحافة وكتابة القصة.ولكن إذا تحدثنا عن مجال «النقد المسرحي»؛ فهو يتفق مع أستاذه محمد مندور، وأيضا الناقد الكبير على الراعى، فى انحياز كل منهما للمسرح الرصين، والإيمان بأهمية دور المسرح فى خدمة وتنمية المجتمع.■ كيف كانت علاقته مع الأديب العالمى نجيب محفوظ؟ - بدأت علاقة الوالد شيخ النقاد المسرحيين، بأديب نوبل «نجيب محفوظ» منذ بداية ستينيات القرن الماضى، حينما حاوره فى دراسة مهمة نشرت بكتابه «عشرة أدباء يتحدثون»، وأشار من خلالها إلى مجموعة مسرحياته القصيرة أو إلى «حورياته»، كما كان «نجيب محفوظ» يفضل تسميتها بذلك، وبعد حصوله على «جائزة نوبل للآداب» عام ١٩٨٨، أصدر الوالد أول كتاب عنه بعد الجائزة، بعنوان «نجيب محفوظ من القومية إلى العالمية» عام ١٩٨٩ «إصدارات الهيئة المصرية العامة للكتاب».ومن خلال ندوة «نجيب محفوظ» الشهيرة «بكازينو أوبرا- على باب- كازينو قصر النيل»، توثقت العلاقات والصداقة بينهما، خاصة بعدما حرص «نجيب محفوظ» على متابعة جميع مقالاته ودراساته.■ ماذا قال دوارة عن مسرح «توفيق الحكيم»؟ ولماذا تفرغ خمس سنوات على نفقته الخاصة لدراسة مسرح الحكيم؟ - علاقة الوالد مع الرائد الكبير توفيق الحكيم بدأت أولا من خلال إعجابه بكتابات «الحكيم» المتنوعة وتقديره لدوره الريادى فى التأليف المسرحي، ثم بدأت الصداقة بينهما بشكل مباشر حينما شرع الوالد خلال بداية ستينيات القرن الماضى فى كتابة كتابه المهم: «عشرة أدباء يتحدثون»، والذى تضمن أحاديث أدبية وتحليل لأعمال وإسهامات عشرة من أهم أدبائنا المعاصرين آنذاك، وخلال اللقاء الأول نشأت علاقة ود واحترام وتقدير متبادلة، ومنذ ذلك التاريخ حرص الوالد على اللقاء الأسبوعى للحكيم، وبخاصة خلال فترة الصيف بمقهى وكازينو «بترو» بالإسكندرية وبمكتبه بالأهرام بعد ذلك.وإيمانا منه بأهمية الدور المسرحى الريادى لتوفيق الحكيم حصل الوالد بدراسته القيمة «توفيق الحكيم ومسرحياته السياسية» على درجة «الماجستير» بإمتياز من كلية الآداب جامعة القاهرة، كما أعقبها أيضا بدراسة أخرى فى منتهى الأهمية، هي: «المسرحيات المجهولة لتوفيق الحكيم».■ ما سبب توقف دوارة عن الكتابة النقدية لمدة عامين؟ وكيف عاد لها مرة أخرى؟ - الحقيقة أنه لم يعتزل الكتابة كما تصور البعض، ولكنه اعتزل فقط الكتابة الأسبوعية، والتى قد تضطره إلى متابعة عروض مسرحية لا تليق بالمشاهدة، فقرر الكتابة فقط عن العروض المتميزة التى تحترم عقل ووجدان المشاهد، وفى هذا الصدد قال عبارته الشهيرة: «من الصعب أن تكتب مقالا نقديا جيدا عن عرض رديء دون المستوى»، وما دفعه إلى اتخاذ هذا القرار هو إحساسه بعدم جدوى كتاباته حينما أصبح بمفرده فى الساحة باختفاء الأقلام النقدية الجادة وتقلص مساحات النشر مع سيادة الكتابات الصحفية وانخفاض عدد القراء، والأخطر تقاعس المسئولين عن المتابعة للمقالات النقدية أو الاهتمام بها.■ وما آخر أعماله النقدية؟- آخر أعماله النقدية كتاب ضمن سلسلة «نقاد الأدب» عن أستاذه د. محمد مندور شيخ نقاد الأدب، وللأسف لم يمهله القدر لرؤية الكتاب الذى صدر فى حفل التأبين الذى نظم بالمسرح القومى فى ذكرى الأربعين لرحيله.

مشاركة :