الصلاة... كيف نجعل العادة عبادة؟

  • 3/1/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

موضوعنا هذا الأسبوع مهم جدا، ويدور حول عبادة الصلاة التي هي اللقاء بين العبد وربه جل وعلا، ونستفتح بسؤال توجه به سائل للشيخ ابن باز يرحمه الله حول الطريقة التي تجعل المسلم يحول عبادته لله تبارك وتعالى بعيدا عن كونها عادة يمارسها من غير الإحساس بها والاستشعار بهيبتها، وهنا أكد يرحمه الله المعنى الذي مفاده لا نصليها كعادة، وإنما نصليها قربة نتقرب بها إلى الله عز وجل، فإذا صلينا الضحى نصليها بهدف التقرب إلى الله جل وعلا، وهكذا إذا صلينا «التهجد» بالليل نصليها لأنها قربة لله، ولأنها طاعة وعبادة وليس لمجرد العادة أو لأن والدينا كانا يحرصان على أدائها. ومما يؤسف له في وقتنا الحالي أن الصلاة قد تحولت إلى ممارسة يومية خالية من الروحانية العالية التي تقربنا لله عز ّوجل، فشأنها عند الكثيرين كالطعام والشراب، فقد نرى شخصا منتظما في صلاته، ولكن تجده أثناء السجود ينقر رأسه بالأرض كنقر الغراب من شدة عجلته ورغبته في الانتهاء من الصلاة، وكذلك نرى عند البعض حالة نسيان الصلاة التي تتكرر في حياتهم اليومية، في حين لاينسى الشخص ساعات عمله، بل يحرص على التواجد في الوقت المحدد لدخوله العمل رسميا، ويحرص الطلبة على موعد محاضراتهم، كما يحرص الكل على مواعيد سفرهم، ويذهبون قبل موعد رحلتهم بساعات. وكذلك بعض السيدات ممن يحرصن على التسوق مدة طويلة، وحين يسمعن الأذان يتكاسلن في أداء الصلاة، ويتباطأن، وربما يؤجلنها حتى عودتهن للمنزل، لأنهن منشغلات بالتسوق، وأذهانهن مشغولة بالأزياء والمجوهرات والحقائب وغيرها من الأمور، متناسيات قول الله عز وجل: «والذين هم على صلاتهم يحافظون»، وقوله جل وعلا: «إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا». فلا يجوز للمسلم أن يؤجل الصلاة عن وقتها المحدد من دون عذر، وللأسف الشديد، فتكون الصلاة آخر قائمة انشغال الذهن، والغريب بالموضوع أنهن لايشعرن بالذنب والإحساس بالخلل ولا بالتعطش لهذا اللقاء الروحاني بالله عز وجل، ولكن يؤدينها كعادة يومية وطقس ثقيل على النفس.الأسئلة المهمة التي تتبادر إلى ذهني لكل القراء: هل تؤدي الصلاة لكونها عبادة حبا لله عز وجل وتقربا إليه، وتعطشا لها ورغبة بها؟ أم أنها عادة يومية وطقس جسدي يومي مفروض عليك؟ هذا سؤال مهم يتصدر قائمة الأسئلة، وهناك أسئلة أخرى تتوالى بعد هذا السؤال أيضا، تخاطب النفس والقلب معا: هل تخشع في صلاتك أم أنك ممن يتغلب عليه الشيطان؟ هل تعطيها الوقت الكافي؟ أم أنك تتسرع لتنتهي منها بشكل سريع جدا؟ هل تحرص على أداء صلوات النوافل كتعويض عما تضيعه بغفلتك وعدم خشوعك في صلواتك المفروضة؟ هل تتلهف لأوقات الصلاة وتترقبها، وتتشوق لأدائها حبا بالله أم أنها بالنسبة لك مجرد عادة يومية اعتدت عليها، تسمع الأذان، وتتوضأ، وتصلي للتخلص من هذا الفرض الذي يثقل عليك؟ لنتمعن معا في قول الله عز وجل وقوله الحق: «وأقم الصّلاة لذكري». وقــال تبارك وتعالى: «وأقم الصّلاة إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون». وقوله الحق جل وعلا: «إنّ الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشّرّ جزوعا وإذا مسّه الخير منوعا إلّا المصلّين الّذين هم على صلاتهم دائمون». سبحان الله، هنا نعرف عمق التأثير النفسي والشعوري للصلاة في حياة المؤمن، ولكن عن أي صلاة نتحدث؟ إنها بلاشك الصلاة الخاشعة هي تلك التي نتحدث عنها، وهي التي تصل بالعبد لمرحلة السكينة والطمأنينة والراحة النفسية. يقول الله عز وجل، وقوله الحق: «قد أفلح المؤمنون الّذين هم في صلاتهم خاشعون». وندرك هنا أن الله سبحانه وتعالى يؤكد على حالة سكون العبد في صلاته وخشوع قلبه، والفلاح هنا هو الظفر بالمراد والنجاة من المكروه. ولاشك أننا نلاحظ أن كثيرا من المصلين يؤدون الصلاة، إلا أنّ صلاتهم لا تمنعهم مما يقومون به من أفعال وسلوكيات تنافي صلاح النفس، وذلك بسبب أنهم ساهون عن الصلاة، يقول الله تبارك وتعالى وقوله الحق: «أرأيت الّذي يكذّب بالدّين فذلك الّذي يدعّ اليتيم ولا يحضّ على طعام المسكين فويل لّلمصلّين الّذين هم عن صلاتهم ساهون». وربما يتساءل البعض كيف أحقق الخشوع في صلاتي فهو قد يصعب على الكثيرين؟ والجواب يكمن في علاج حالة السهو والشرود في الصلاة هو تغيير التوجه القلبي في الصلاة، فإذا كان هدفك هو تحقيق الخلود في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فلابد أن ترتفع همتك، وتتعاظم عزيمتك، ويتضاعف تركيزك في الصلاة لبلوغ هدفك وتحقيق غايتك الأخروية وهي الخلود في الجنة. وقد يكون السهو والتشتت في التركيز بسبب وجود مشكلة طارئة أو مزمنة تستحوذ على تفكيرك، شخصية، أو أسرية، أو عاطفية، أو مالية وغيرها من الأمور. وقد تكون بسبب حدث مفرح جدا يشغل تفكيرك، وربما يكون بسبب مخاوف وقلق من أحداث طارئة، وقد يعاني البعض من حالة الإدمان على الخيالات وأحلام اليقظة، وكلها أمور تفتت التركيز في الصلاة وتسرق منك حالة الخشوع. وهكذا علينا أن نعيد طرح الأسئلة -التي استفتحنا بها المقال- بشكل يومي، حتى نصل لحالة الخشوع في الصلاة، وحينئذ نلمس التغيير الجذري في مشاعرنا ونفسياتنا وحياتنا بشكل عام.

مشاركة :