الإعلام الجديد، بوسائله ووسائطه وتقنياته المختلفة كالبريد الالكتروني والفيس بوك وتويتر والواتس آب وغيرها، قلب الطاولة على كل المفاهيم والمصطلحات والآليات الإعلامية التقليدية، ولكنه بشر بالكثير من التطلعات والخبرات والتناقضات والمخططات والأجندات التي تمتلك قدرة هائلة على إحداث التغيير، وصناعة الأحداث، وشرعنة الفوضى، وتلك هي خطورة الاعلام الجديد الكتابة عن الإعلام، لاسيما الجديد الذي يُهيمن تقريباً على كل مفاصل حياتنا، يُشكل لنا نحن معشر الكتاب، بل وكل من يمتهن العمل الثقافي والفكري والإعلامي، مادة دسمة وخصبة نتكئ عليها كثيراً لتسليط الضوء على العديد من القضايا والمواضيع، أو لتمرير بعض الرسائل والأفكار، لأن الإعلام الجديد الان يتداخل ويتقاطع بشكل فاعل وكبير مع كل تفاصيلنا، الصغيرة والكبيرة. قبل الالفية الثالثة بعقدين تقريباً، بزغ نجم جديد في سماء الإعلام. نجم، غيّر كل المفاهيم والقيم والثقافات والسلوكيات. الإعلام الجديد، بمختلف وسائله ووسائطه وتقنياته، حطم كل القيود والجدران، والغى كل الحدود والحواجز، ودشن عصراً جديداً، يختلف تماماً عن تلك الحقبة التقليدية الطويلة التي سيطرت على المشهد الكوني لعدة قرون. لقد استطاع هذا الضيف المزعج أن يكسب الرهان ويفوز بالجولة تلو الجولة، بحيث لم يعد لتلك الادبيات والأبجديات والآليات النمطية التي شكلت منظومة الاعلام التقليدي أي وجود حقيقي. إن الإعلام التقليدي، سواء المقروء أو المسموع أو المرئي، يتعرض لهجمة شرسة تقودها شبكات ومؤسسات إعلامية حديثة، تتمثل في فضاء الكتروني غيّر تقريباً كل مفاهيم اللعبة الاعلامية التقليدية، وأصبح هو المتحكم في مسيرة الإعلام، بل الحياة. باختصار شديد، الإعلام التقليدي، يترنح الآن، بل يحتضر، وينتظر "رصاصة الرحمة" لتنتهي حقبة إعلام تقليدي ساهم في تثقيف وتنوير وتوجيه وتنمية وتضليل وخداع وغسل أيضاً العقل البشري خلال قرون طويلة، ليصبح مجرد صفحات ناصعة في سجل الحضارة الإنسانية، تماماً كالمطبعة الحجرية والفيديو و"البيجر" وغيرها من المعجزات الاعلامية والتقنية التي اصبحت من الذكريات الجميلة. الصعود الكبير للإعلام الجديد، خلال هذه المرحلة الاستثنائية من عمر العالم، غربل الكثير من المفاهيم، وحطم الكثير من التابوهات، وبشر بالكثير من الافكار والرؤى والثقافات والسلوكيات. إنه عصر الإعلام الجديد بكل تعريفاته وأدبياته وآلياته الجديدة التي تُسيطر تقريباً على فكر ومزاج وسلوك الفرد والجماعة، رغم وجود بعض الممانعات والتحديات من هنا وهناك. أدبيات جديدة، صاغها وشكٌلها وبشر بها الإعلام الجديد، ليُعلن بداية عصر جديد، يلعب فيه الإعلام ادواراً جديدة، تختلف كثيراً عن تلك التي لعبها الإعلام التقليدي كل تلك القرون. الأولى، أن الاعلام يُمثل رسالة سامية تحمل اهدافا انسانية واجتماعية وتنويرية من أجل نشر الثقافة والوعي والتحرر وكل المضامين والمعاني السامية. وتلك كذبة كبرى، مارسها الإعلام التقليدي بمهارة وخبث. الإعلام، هو أولاً وآخراً خدمة كباقي الخدمات المختلفة كالصحة والتعليم والاتصالات، وهو عبارة عن صناعة حيوية لها مقوماتها وتنظيماتها وتخضع لقوانين العرض والطلب. الإعلام، ليس رسالة ولكنه خدمة. الثانية، أن الإعلام ممارسة واقعية وموضوعية، وليس وصاية أو توجيها أو تلقينا. وخلال القرون الطويلة، شكّل الإعلام هاجساً ثقيلاً على الحريات والتطلعات والقناعات، وذلك حينما استُخدم كمنصة كريهة لممارسة الوصاية والأبوية، وتوجيه النصح والإرشاد بشكل مباشر، ما افقده الكثير من ألقه وسحره ودهشته. الإعلام ممارسة حقيقية وليس مجرد شحنات عاطفية أو وصاية متغطرسة. الثالثة، أن الإعلام لم يعد مجرد وسيلة تنقل الاخبار والأحداث والأفكار والثقافات والعادات. لا، الاعلام لم يعد كذلك، بل أصبح مشاركاً فاعلاً في صنع كل تلك المعطيات، بل انه تجاوز ذلك الدور أيضاً، إذ يُعتبر الإعلام الآن من المصادر والسلطات التي تقود المجتمع. الإعلام، انتقل من مجرد وسيلة لنقل الأخبار إلى المشاركة في صنع الأحداث، وهو الآن إحدى القوى الكبرى الفاعلة التي تقود عجلة التنمية والتطوير والتغيير. الرابعة، وهي خدعة كبرى استمرت لعقود طويلة جداً، وهي الحيادية التي يُفترض أن يتحلى بها الإعلام. لقد استطاع الإعلام الجديد أن يُلغي هذه الصفة الوهمية، وهي الحيادية. الإعلام، لا يُفترض أن يكون حيادياً، ليس مطلوباً منه ذلك. نعم، الإعلام مطالب بالمهنية والحرفية والنزاهة والجدية والشفافية ومنح الفرصة للرأي الآخر. الحيادية ليست من مهام أو واجبات الإعلام، تلك حقيقة لا يجب الاختلاف حولها. الخامسة، وهي إشكالية قديمة، ولكنها في عصر الإعلام الجديد بدأت تتمظهر بشكل أكثر واقعية، وهي حقيقة أن يكون الإعلام صدى حقيقياً لواقع المجتمع. الإعلام الجديد، رغم جرأته وشفافيته، إلا انه يُمارس هواية غاية في الخطورة، وهي مزج الواقع بالمستقبل. الإعلام الجديد، يمزج بين الافكار والأحداث والرؤى الواقعية بشيء من الخيال والاستشراف المستقبلي، أي انه لا يُظهر الواقع أحياناً كما هو، ولكن كما يُفترض أن يكون في المستقبل. الإعلام الجديد، صدى حقيقي لواقع المجتمع، ولكن بنظرة مستقبلية. وهناك الكثير من الادبيات والمصطلحات والمفاهيم الاعلامية الجديدة التي تُشكل حالة من الجدل والتصادم والممانعة بين مكونات وشرائح وأطياف المجتمع، ولكنها في الغالب تكسب الرهان. الإعلام الجديد، بوسائله ووسائطه وتقنياته المختلفة كالبريد الالكتروني والفيس بوك وتويتر والواتس آب وغيرها، قلب الطاولة على كل المفاهيم والمصطلحات والآليات الإعلامية التقليدية، ولكنه بشر بالكثير من التطلعات والخبرات والتناقضات والمخططات والأجندات التي تمتلك قدرة هائلة على إحداث التغيير، وصناعة الأحداث، وشرعنة الفوضى، وتلك هي خطورة الاعلام الجديد.
مشاركة :