في مبادرة رائعة لهذه الصحيفة العريقة، أقيمت قبل ثلاثة أيام في محافظة القطيف، ندوة مهمة بعنوان "دور الإعلام في حماية السلم والوحدة الوطنية"، شارك فيها نخبة مميزة من الكتّاب والمثقفين والإعلاميين الوطنيين. وتُشكل الندوات الكبرى المنتظمة التي تقيمها هذه المؤسسة الإعلامية الرائدة، ظاهرة رائعة لحقيقة وطبيعة العمل الصحفي الذي يُسهم في صناعة الوعي الجمعي الذي يحتاجه مجتمعنا وسط كل هذه الاستقطابات والتجاذبات والصراعات التي تهدف إلى زعزعة بنيتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية، خاصة في هذه المرحلة الحرجة من عمر العالم العربي، بل والعالم بأسره. هذه الندوات واللقاءات الكبرى التي دأبت هذه الصحيفة على إقامتها، هي أشبه بدراسات ومجسات واستطلاعات تُناقش الكثير من الأفكار والقضايا والملفات التي تهم المصلحة الوطنية العامة، كما تحظى بمتابعة واهتمام وتفاعل القراء والمثقفين، فضلاً عن المتخصصين والمسؤولين. لن أتحدث عن مجمل ما جاء في هذه الندوة، لأنها ستنشر كاملة خلال الأيام القادمة، ولكنني سأذكر ثلاث نقاط غاية في الأهمية لمستها بوضوح في هذه الندوة المهمة، خاصة وأنا أحد المشاركين فيها. النقطة الأولى، هي توقيتها ومكانها. والحديث عن خطورة وتأثير الإعلام الوطني بمختلف أشكاله ومستوياته في هذا الوقت بالذات، استثمار ذكي لحالة التوحد والتآلف والتلاحم التي ظهرت بوضوح بين مكونات وتعبيرات المجتمع السعودي، بعد الحادثة الإرهابية الأليمة التي وقعت بالاحساء. كما أن اختيار المكان، وهو القطيف، رسالة قوية تُمررها هذه الصحيفة الوطنية، مفادها أن كل هجرة وقرية ومدينة ومنطقة بهذا الوطن الغالي، تُمثل الوطن، كل الوطن، وهي في عين وقلب وفكر كل مواطن ومسؤول سعودي. النقطة الثانية، هي تمظهر حالة التنوع والتعدد والتمايز في هذه الندوة، سواء على صعيد المشاركين والضيوف أو على صعيد ما طرح من أفكار ورؤى وقناعات. لم تكن مجرد ندوة صاخبة نوقشت فيها الكثير من الملفات والقضايا الإعلامية الساخنة والحساسة بكل صدق وشفافية ومسؤولية، ولكنها كانت أشبه بوطن مصغر جمع كل ملامح الطيف الوطني الرائع. كم نحتاج لمثل هذه الندوات والمناسبات الوطنية الملهمة التي تُشكل قاعدة صلبة لبناء مجتمع يؤمن بالتعددية والتنوع والاختلاف، وينبذ كل مظاهر الطائفية والتعصب والتمييز. لقد شكلت هذه الندوة جسر عبور أنيق للعديد من الأفكار والرؤى والقناعات التي آن لها أن تتجسدد في فكرنا ومزاجنا وسلوكنا. النقطة الثالثة، وهي الاتفاق تقريباً بين كل المشاركين والضيوف في هذه الندوة المباركة، على أن الإعلام لاسيما الجديد منه، لم يعد مجرد ناقل وناشر ومروج للأخبار والأحداث والمواقف، ولكنه الآن سلطة نافذة وقوة مؤثرة. الإعلام، لم يعد مجرد صدى وانعكاس وارتداد لما يحدث في المجتمع، ولكنه الآن وبكل وضوح وحقيقة ومنطق، هو من يقود المجتمع. لقد تحولت وتمحورت وتطورت وظيفة الإعلام، بشكل سريع وخطير خلال كل تلك العقود الطويلة، وهي الآن في نسختها الأحدث، إذ تُمارس قيادة المجتمع عبر ما يملكه الإعلام من وسائل ووسائط هائلة تُسيطر على كل حركة المجتمع بأفراده ونخبه وقادته. بلا شك، إن الإعلام، إذا ما ثُبتت بوصلته الدقيقة باتجاه التواصل والتلاحم والاندماج بين مختلف مكونات وشرائح المجتمع السعودي، فانه سيسهم في توسيع دائرة الخيارات والقناعات والمشتركات، وسيُضيق الخناق على كل مسببات ومظاهر وتداعيات الفتنة الطائفية والفكرية والقبلية. شكراً لجريدة الرياض على هذه المبادرة الملهمة، وشكراً للشيخ الرائع حسن الصفار الذي استضاف الندوة في منزله، وشكراً لهذا الوطن الجميل الذي يجمعنا دائماً على الحب والوفاء والوحدة والانتماء.
مشاركة :