ثمن معالي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، في حوار لـ«الاتحاد»، جهود دولة الإمارات الرامية إلى تعزيز التسامح وحوار الأديان، والتي تتبلور في أكثر من صعيد، معتبراً أن وثيقة الإخاء الإنساني تعد معلماً في مسيرة الحوار الديني بين العالم الإسلامي والغرب، وهذا ليس بغريب على دولة الإمارات التي أسست وزارة خاصة بالتسامح كبادرة تحدث لأول مرة في التاريخ. وأضاف معاليه، بالتزامن مع بدء أعمال الدورة الـ46 لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي في أبوظبي: «إن عالمنا الآن بحاجة إلى الحوار أكثر من أي وقت مضى، ونحن إذ نستذكر مبادئ وأهداف ميثاق منظمة التعاون الإسلامي، والتي تهدف إلى ترسيخ قيم السلم والتسامح، نشيد بجهود دولة الإمارات في خدمة رسالة التسامح ومحاربة التطرف والإرهاب، من خلال وزارة التسامح، والمراكز المتخصصة والمتعددة، مثل مركز هداية ومركز صواب، وغيرها من المراكز». كشف معاليه، أن مجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي، وبمبادرة من دولة الإمارات، سوف يستعرض مشروع قرار يخصص يوماً للتسامح في منظمة التعاون الإسلامي، مطالباً الدول الأعضاء باغتنام هذا اليوم المميز لتكثيف النشاطات والفعاليات حول رسالة التسامح والمحبة وقيم العيش المشترك التي جاء بها الإسلام. وأشار معاليه، إلى أن المنظمة تتطلع إلى رئاسة دولة الإمارات للدورة الـ46 لمجلس وزراء الخارجية، لإحكام التنسيق حول تنفيذ القرارات الصادرة عن اجتماع المجلس الوزاري في جميع المجالات، ومع قرب الاحتفال بمرور 50 عاماً على تأسيس المنظمة، سنعمل على تطوير آليات عمل المنظمة لتتواكب مع معطيات العصر الحديث، ومواجهة التحديات الراهنة، خاصة تلك المتعلقة بالسلم والأمن والتنمية المستدامة، ومكافحة الإرهاب والتطرف. ولفت، إلى أن المنظمة ستعمل على تعزيز التعاون الثقافي بين الشعوب الإسلامية، معرباً عن تطلعه إلى مهرجان منظمة التعاون الإسلامي في الثاني من أبريل المقبل، والذي يقام في الإمارات، بحيث تتحقق أهدافه التي وُضعت له، ويقدم المساهمة التي نصبو إليها في التعريف بالمنظمة وإبراز أنشطتها وتنوعها على صعيد شعوب دولنا الأعضاء. وأوضح، أنه تم توقيع مذكرة تفاهم مؤخراً بين المنظمة ومركز صواب، وهي تتمحور حول تنسيق جهود التصدي للخطاب المتطرف والعنف والإرهاب المرتكبين باسم الدين، وتضم بنود الاتفاقية العديد من اللوائح التنظيمية للتنسيق والتعاون بين الطرفين، وتنوي المنظمة إطلاق عدد من البرامج التدريبية المتبادلة بين المركزين، بغية الاستفادة من التجربة الطويلة لمركز صواب في مجال التصدي للخطاب المتطرف، وكذلك استفادة مركز صواب من الامتداد السياسي والثقافي للمنظمة. وبين معاليه، أنه تمت برمجة برنامج تدريبي بين المنظمة والمركز كأول مبادرة للتعاون المشترك، حيث سيتم تنفيذه في المستقبل القريب، كما ينوي مركز «صوت الحكمة» بالمنظمة عقد ندوة من ندواته الخمس المبرمجة خلال العام الجاري في دولة الإمارات، بالتعاون مع مركز صواب أو مركز هداية الذي تربطنا معه هو الآخر اتفاقية تعاون مشترك لتعزيز خطاب التسامح. تحديات كبيرة تواجه العالم الإسلامي وحول الدورة الحالية من اجتماع المجلس الوزاري للمنظمة، قال معاليه: «تنعقد الدورة الحالية وسط تحديات كبيرة تواجه العالم الإسلامي، الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود لتعزيز العمل الإسلامي المشترك على جميع الصعد، حيث يتضمن جدول أعمال هذه الدورة العديد من الموضوعات المهمة، وعلى رأسها تطورات الأوضاع في فلسطين، وتلك المتعلقة باليمن وسوريا وليبيا والصومال وأفغانستان ومالي، ودول الساحل، بجانب جهود مكافحة الإرهاب والتطرف والإسلاموفوبيا، ومتابعة أوضاع المجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء، وبصفة خاصة مسلمي الروهينجيا في ماينمار». وأضاف معاليه: «تبحث الدورة العديد من الموضوعات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول الأعضاء، وسيعقد الوزراء جلسة عصف ذهني خاصة حول دور منظمة التعاون الإسلامي في تعزيز التنمية الاقتصادية في دولها الأعضاء، كما يشكل الاجتماع فرصة أيضاً للوزراء للوقوف على جهود تنفيذ البرنامج العشري للمنظمة «2015- 2025» في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والثقافية، وفي مجال العلوم والتكنولوجيا، والجوانب المتعلقة بالنهوض بالمرأة، وترقية أوضاع الشباب والطفل والمسنين». تحسين أداء المنظمة ورداً على سؤال حول أهمية الدورة الحالية والآثار المتوقعة منها، أشار معاليه إلى أن أهمية الدورة تتمثل في التوقيت الذي تعقد فيه، حيث يمر العالم الإسلامي بتحديات جسيمة تتطلب توحيد المواقف إزاء التعاطي مع العديد من المستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية، ومن المتوقع أن تصدر قرارات عدة، في الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني، ستعزز من آليات العمل الإسلامي المشترك، والتضامن الإسلامي حول هذه الموضوعات، وسيكلف المؤتمر الأمانة العامة للمنظمة بمتابعة تنفيذ جميع هذه القرارات. ولفت معاليه إلى أن من المتوقع أن يعتمد الوزراء قراراً بتخصيص عام 2019 يوبيلاً ذهبياً، يخلد ذكرى الخمسين عاماً لتأسيس المنظمة، من أجل تعزيز حضورها الدولي، وإبراز صورتها كشريك فعال في توطيد السلم والأمن والتنمية، وستقام بهذه المناسبة احتفالية كبيرة في مقر المنظمة بمدينة جدة السعودية، كما من المتوقع أن يعتمد الوزراء قراراً حول استمرار عملية الإصلاح الشامل في المنظمة، وبحث سبل القيام بهذه العملية المستدامة، بغية تحسين أداء المنظمة والنهوض بها. الحل الشامل للقضية الفلسطينية وحول التحديات التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، أوضح العثيمين أنه يمر بتحديات بالغة التعقيد، وعلى رأسها تحدي حل القضية الفلسطينية الشامل والعادل الذي يكفل للشعب الفلسطيني نيل حقوقه المشروعة، ودعم الجهود الرامية لإنهاء حالات الاضطراب السياسي والأمني في بعض دوله، والتي تشكل تهديداً للسلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأهمية نبذ الفتن والفرقة، ومعالجة جميع الأزمات التي تعصف بمنطقتنا، على النحو الذي يعيد لها الاستقرار، ويساعد على دفع عمليه التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بجانب التحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء. وبين معاليه، أن المنظمة وضعت برنامجاً عشرياً، يرتبط بعملية التحول التي نتطلع إليها عبر صياغة الأولويات، من منطلق ما نواجهه من معطيات وتحديات، وما نصادفه من مستجدات، معرباً عن تطلعه أن يخرج الاجتماع الوزاري بروح تعكس إصرارنا وحرصنا على بلوغ ما يصبو إليه قادتنا، وتتطلع إليه شعوبنا من غايات وأهداف تتفق ومكانة أمتنا الإسلامية ورسالتها الخالدة. وأكد معاليه، أن المنظمة تقف على مسافة واحدة من الدول الأعضاء، ودورها يتمثل في المساعدة على حل الخلافات والأزمات بين الدول الأعضاء بصورة سلمية، ودراسة أسبابها لوضع حلول من دون تدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، مع التأكيد على حفظ سيادتها، وذلك استناداً إلى ميثاق المنظمة، وأنشأت المنظمة وحدة للسلم والأمن بهياكل محددة للتعاطي مع تحديات السلم والأمن، حيث هناك حاجة إلى بذل الجهود المشتركة لتشجيع علاقات أفضل بين الدول والشعوب لمواجهة التحديات والأخطار الماثلة. محاربة التطرف وحول الدور الذي تقوم به المنظمة لمحاربة التطرف، قال معاليه: «تعتبر منظمة التعاون الإسلامي قضية الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الصور النمطية السلبية والإسلاموفوبيا من أهم قضاياها، وذلك استجابة منها لميثاقها التأسيسي الذي ينص على أن من مهام المنظمة التصدي لمحاولات تشويه صورة الإسلام كافة إما بالدعاية ضده، أو الدعاية له عن طريق الأفكار المتطرفة، فحماية الدول المسلمة والمجتمعات المسلمة في الدول غير المسلمة تعتبر أولوية من أولويات المنظمة، وتنعكس في البرامج كافة التي اعتمدتها المنظمة، ففي البرنامج العشري 2015، وبرنامج عمل المنظمة 2025، تتصدر هذه القضايا جدول أولويات المنظمة وبرامجها. مرصد خاص لظاهرة «الإسلاموفوبيا» وأضاف معاليه: «أسست المنظمة عام 2007 مرصداً خاصاً لرصد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» والعمل على وضع سياسات التصدي لها ومكافحتها، ويعمل هذا المرصد منذ تاريخ تأسيسه على إصدار تقارير سنوية توزع على الدول الأعضاء في اجتماعات وزراء الخارجية، بغية الوقوف على حقيقة هذه الظاهرة، ورصد مدى توسعها وانحسارها، ومدى أثرها على المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية». وأشار معاليه، إلى أن المنظمة تحارب الأفكار المتطرفة، فالمنظمة تعد من أولى المنظمات الدولية انتباهاً لخطر هذه الظاهرة، فمنذ سنة 1988 والمنظمة تصدر القرارات والمشاريع السياسية والبرامج العملية في التصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف، وتوجت جهودها بتأسيس مركز «صوت الحكمة» الذي يضطلع بمهمة المقارعة الفكرية والشرعية لفكر التيارات المنحرفة، قناعة من المنظمة ومن المركز بأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، والرأي المنحرف لا يدحضه إلا الرأي السديد والقويم. وتابع معاليه: «في رأيي أن أول مستوى للتصدي لهذا الفكر المتطرف هو تكثيف المواجهة الفكرية والحجية ضد هذا الخطاب، وهو الأمر الذي يضطلع به مركز صوت الحكمة، والذي يعمل في الوقت نفسه بالتعريف بجهود الدول الأعضاء في مكافحة التطرف والإرهاب، وهي الجهود التي لا يسلط عليها الضوء كثيراً بالرغم من أهميتها، ونجاح الكثير منها في التخفيف من حدة هذه الظاهرة، كما أصدر المركز العديد من المواد العلمية والإعلامية التي تتمحور حول نقض الأسس الفكرية والدينية للتيارات المتطرفة، كما تبنى المركز مؤخراً استراتيجية عملية مبدعة على مستوى البرامج والأفكار، وسترون الكثير من الأنشطة والفعاليات من طرفه قريباً». بناء شخصية مسلمة متوازنة رداً على سؤال حول الدور الإعلامي المطلوب في الوقت الراهن، أكد العثيمين أن توحيد جهود الدول الأعضاء، وتضامنها في المجال الإعلامي، يمكنها من توجيه رسالة قوية، تساهم في تعزيز حقوق أبناء العالم الإسلامي، حيث تعمل المنظمة مع أجهزتها المختلفة والمؤسسات الإعلامية في الدول الأعضاء لتبني رسالة إعلامية تهدف إلى بناء شخصية مسلمة متوازنة ومتكاملة في السلوك والطرح الفكري، عبر الاستراتيجية الإعلامية الشاملة حتى عام 2025، والاستراتيجية الإعلامية للمنظمة للتصدي لظاهرة «الإسلاموفوبيا» وآلياتها التنفيذية، على برامج واضحة وحملات مكثفة لتقديم الصورة الحقيقية والموضوعية. وأوضح، أن من بين جهود المنظمة في المجال الإعلامي تم اعتماد الجائزة الدولية لوسائل الإعلام والإعلاميين المتميزين في مجال تعزيز الحوار والتسامح والوئام بين الثقافات، عبر اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية، وسوف تعمل الجائزة على تحفيز وسائل الإعلام والإعلاميين على إنتاج مواد إعلامية، تتجلى فيها الصورة الحقيقية للإسلام، وتساهم في ترسيخ قيم الحوار والتسامح والوئام بين الأديان والثقافات، ونبذ العنصرية والتطرف والإرهاب، وستكون هذه الجائزة بعد إطلاقها خلال العام الجاري، مفتوحة أمام جميع الصحافيين من الذكور والإناث، ممن يعملون في مجالات الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والإلكتروني والتصوير الصحفي. وبين معاليه، أن المنظمة حريصة على تجديد وسائلها الإعلامية، لمواكبة أنماط استقاء المعلومات لدى الجيل الصاعد، لذلك استثمرت في الاستفادة من إمكانات التواصل الاجتماعي في نشر رسالتها ورؤيتها وطرحها المتوازن، وبث مواد جذابة متنوعة في هذا الشأن على موقع المنظمة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المتنوعة، ليتم تداولها بين أطياف المجتمع. لذلك جاءت استراتيجيات المنظمة الإعلامية لتؤكد فاعلية وجدوى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، في نشر المعلومات، وتشكيل الرأي العام.
مشاركة :