رفضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار الدكتور حنفي علي جبالي، الدعوى التي أقيمت طعنًا على نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495)، والمادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.وتنص المادة 495 على أن "تُرفع دعوى المخاصمة بتقرير فى قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضى أو عضو النيابة يوقعه الطالب أو من يوكله فى ذلك توكيلًا خاصًّا، وعلى الطالب عند التقرير أن يودع خمسمائة جنيه على سبيل الكفالة.وتنص المادة 500 على أنه: "لا يجوز الطعن فى الحكم الصادر فى دعوى المخاصمة إلا بطريق النقض".وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الأصل فى سلطة المشرع فى تنظيمه لحــــق التقاضى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التى يجريها بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التى يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض فى شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغى التزامها، وفى إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها فى صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التى يباشر الحق فى التقاضى فى نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلًا للحماية القضائية للحق فى صورتها الأكثر اعتدالًا.وقالت المحكمة : حيث إنه من المقرر كذلك – فى قضاء هذه المحكمة – أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم فى ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهــــــــم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملًا بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيهــــــا، وفى إطــــــار من القيود التى يقتضيهــــــا تنظيمه، ولا تصل فى مداها إلى حد مصادرته.وأضافت المحكمة: وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان مفهوم تبعية القاضى أو عضو النيابة بالمحاكم الابتدائية أو المحاكم الجزئية لمحكمة الاستئناف فى دعوى مخاصمته؛ إنما يتحدد بإسناد الفصل فى الدعوى المذكورة إلى إحدى دوائر محكمة الاستئناف التى تقع محكمة المخاصم ضده فى دائرة اختصاصها المحلى، دون أن يتجاوز ذلك إلى تداخل تشكيل كلا المحكمتين فى تلك الدعوى، الأمر الذى تؤكده نصوص المواد (1، 6، 9، 11) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 46 لسنة 1972. إذ كان ذلك، وكانت العلاقة القانونية التى أشارت إليها الفقرتان الأولى والثالثة من المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية لا تنشئ أية تبعية قانونية أو إدارية لقضاة المحاكم الابتدائية أو الجزئية أو أعضاء النيابة العامة بهما، إلى قضاة محاكم الاستئناف المسند إليهم ولاية الفصل فى دعاوى مخصامتهم، ولا تنصرف غاية المشرع من إيراد هذا التنظيم إلا إلى تحديد القاضى الطبيعى، المخول له الاختصاص بالفصل فى تلك الدعاوى، ليبقى دومًا من الأغيار بالنسبة لأطراف دعوى المخاصمة، الذين تتوافر فى حقهم الحيدة والاستقلال، ومن ثم يكون الادعاء بإخلال نصى الفقرتين المطعون فيهما المار ذكرهما بمبدأ المساواة والحق فى التقاضى منتحلًا.وأشارت: إذ كان ما تقدم، وكان المشرع قد كفل للمحكوم ضده بحكم صادر من محكمة الاستئناف مُنْهِ للخصومة فى دعوى مخاصمة أن يطعن فيه بطريق النقض، لتنظره المحكمة التى تستوى على قمة مدارج محاكم جهة القضاء العادى، غير ممايز بين المدعى المخاصم والقاضى أو عضو النيابة المخاصم ضده، ودون أن يُمكن أحد طرفى خصومة دعوى المخاصمة من ولوج طريـــــــــق للطعــــــن فى الحكم الصــــــادر فيهــــــــا لا يتيحه لخصمه الآخر، محققًا بذلك توازنًا بين مراكز قانونية متكافئة لأطراف الخصومة القضائية ذاتها، ومن ثم فإن النعى على نص المادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بقالة الإخلال بحقى التقاضى والدفاع، أو إهداره مبدأ المساواة، أو افتئاته على مبدأ تكافؤ الفرص - فى ظل عدم تعلق النص المذكور بفرص قائمة يجرى التزاحم عليها - يضحى لا أساس له متعينًا رفضه.وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصين المطعون فيهما - محددين نطاقًا على ما سلف بيانه - لا يخالفان أحكام المواد (4، 9، 53، 97، 98) من الدستور، كما لا يخالفان أية أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.
مشاركة :