{ «القمة العربية الأوروبية الأولى»، ربما هي البداية أيضًا، ليدرك الغرب (أوروبيا + أمريكيا) أن استقرار العالم واستقرارهم مرتبط بالأمن والاستقرار في المنطقة العربية، وأنه آن الأوان في هذه المرحلة أن يحدث التغيير الحقيقي في (الذهنية الغربية) نفسها، والتي عبر مئات السنين استهدفت هذه المنطقة بكل المخططات والمشاريع التخريبية، ووصلت إلى الاحتلال المباشر للعديد من دولها، وإلى كل آليات الاستعمار القديم والجديد، الذي ينطلق من رؤية عنصرية وصدامية مع العرب! وصولاً إلى مشروع الفوضى والتقسيم وإسقاط الأنظمة الوطنية، من خلال التعامل المزدوج الذي يرعى الإرهاب والتطرف والمتطرفين بوجه وبوجه آخر يدّعي مكافحة كل ذلك حتى وصل الغرب إلى «الإسلام فوبيا» حين ربط الإسلام بالإرهاب ظلما وجورا! { هذه السياسة الغربية النابعة من عقلية استعمارية للدول والشعوب الأخرى، آن اليوم أوان أن يتمّ وضع النقاط على حروفها التائهة في المشاريع الغربية (الآثمة) تجاه المنطقة العربية وحكامها، و(ليتم تغيير البوصلة الغربية من الاستثمار في الفوضى والصراعات والحروب إلى الاستثمار في الأمن والاستقرار) لتحقيق المصالح المشتركة من ناحية، ولتحقيق أمن العالم كله المرتبط ارتباطا شرطيا بأمن واستقرار هذه المنطقة. ومن هنا فلا بد من إثبات الغرب لحسن نواياه بأسس عملية وكما قال جلالة الملك في القمة العربية الأوروبية الأولى إن (الأمن والاستقرار والتنمية كل لا يتجزأ في العالم أجمع، وإذا أصاب الضرر طرفًا، تضررت بقدره باقي الأطراف المجاورة له ولا بديل لمواجهة ذلك، إلا بتقوية أوجه التحالف للقضاء على الإرهاب، أو عدم التهاون مع من يرعاه، والعمل على رفع مستويات التعاون والتنسيق الجماعي، وسيادة الاحترام المتبادل، والتوازن في العلاقات الدولية والمصالح الاستراتيجية). وهذه الرؤية الواضحة والحكيمة، هي في الواقع توجِّه والغرب تحديدا إلى خطورة سياساته التي يلعبها في العالم والمنطقة العربية، وأن بناء السلام والاستقرار هما وحدهما ما يدفعان إلى التنمية العالمية والتطور وحوار الحضارات والتقدم في العالم وليس غير ذلك! { إن القضايا التي تم طرحها في القمة العربية الأوروبية تضع الغرب والعالم كله أمام استحقاقات لا بد منها (للانتقال من مرحلة الصراع الدولي إلى مرحلة السلام الدولي) والتعايش السلمي ونقل المجتمعات في العالم إلى التكامل في إطار التنوع الديني والعرقي والحضاري ولذلك لا بد من: أولاً: حل القضية الفلسطينية حلا عادلاً بحسب قرارات الأمم المتحدة المتراكمة وبحسب المبادرة العربية التي لا يمكن تقديم المزيد من التنازلات فيها، وأن يكون موقف أوروبا وأمريكا منحازًا تمامًا إلى هذا الحل وليس منحازا إلى إسرائيل كأمريكا أو مذبذبا كأوروبا. ثانيا: أن يكون موقف الغرب واضحًا من الإرهاب ومن الأجندات الإرهابية، التي تمّ توظيف أو التسهيل لدول لدعمها وتبنيها مثل الموقف من إيران وقطر وتركيا وكل الجماعات والمليشيات المرتبطة بها، من تطرف المليشيات التابعة إلى إيران إلى تطرف «الإخوان» برعاية تركية وإلى الدور القطري الداعم لإرهاب المتطرفين، وفق سياسة «الفوضى الهدامة» التي تبنَّتها في الأساس أمريكا ودول أوروبية أخرى والموقف الأوروبي متذبذب تماما! ثالثًا: لا بدّ أن يضع الغرب معايير جديدة في نظرته إلى العالم، لينتقل من سياسة تهديد الاستقرار وخرائط الاستعمار الجديد واستخدام المنظمات الحقوقية لرعاية الإرهابيين باسم النشطاء السياسيين، ومحاولات تغيير الأنظمة المستقرة، إلى سياسة التفاهمات الجذرية والتحالفات الحقيقية والمصالح المشتركة القائمة على الاحترام المتبادل والتوازن في العلاقات الدولية واحترام استقلاليته وسيادة الدول بشكل عام والدول العربية بشكل خاص. رابعًا: التنمية في العالم غربًا وشرقًا مرتبطة برؤية الغرب إلى هذا العالم، وبدلا من أن يتم وضع خرائط التقسيم وخلق بؤر الصراعات والفوضى، على الغرب أن يدرك أن شعوب هذه المنطقة لن تقبل في النهاية بعودة الاستعمار بثوب جديد وآليات جديدة، وأن بؤرة التوتر في هذه المنطقة ستجعل العالم كله ومنه أوروبا في وضعية التوتر أيضًا، خاصة في المرحلة الراهنة التي أصبح فيها أكثر ارتباطًا ببعضه وانفتاحًا على بعضه. ولذلك فإن على الغرب إذا أراد فعلاً رعاية مصالحه الحقيقية، أن يرعى بالمقابل مصالح الدول التي يرتبط بها بمصالح مشتركة، كالتي بينه وبين دول المنطقة العربية، وهذا يعني أن يتم التوجه إلى الاستثمار الغربي في استقرار هذه المنطقة، وفي التعاون الحقيقي مع دولها، واحترام دين وحضارة وهوية وقيم شعوبها لا أن يفكر في تفتيت دولها ونهب ثرواتها، ومن دون ذلك لن يتحقق أي شيء مهما طال الحوار أو تعددت القمم المشتركة!
مشاركة :