قبل أسبوع اختتمت القمة العربية - الأوروبية الأولى أعمالها بمدينة شرم الشيخ المصرية والتي شارك فيها ملوك ورؤساء دول وحكومات ووزراء خمسين دولة من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية فضلاً عن دول الاتحاد الأوروبي، وبالرغم مما كتب عن تلك القمة من تحليلات مطولة ومقالات وجميعها مهمة فإنها برأيي يجب أن تنال المزيد من تسليط الضوء ليس على أعمالها والنقاشات التي دارت خلالها فحسب- وجميعها مهمة - بل فيما رتبته من نتائج لكلا الجانبين، فبادئ ذي بدء وللوهلة الأولى فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان عند قراءة عنوان القمة والتي كانت الأولى من نوعها على هذا المستوى أنها «محاولة لتأسيس شراكات دولية جديدة» في مرحلة تاريخية فاصلة، فأوروبا تسعى لتعزيز هويتها الأمنية بما لا يتعارض مع التزام أعضائها داخل حلف الناتو، فضلاً عن التحديات التي تواجهها في أعقاب الخروج البريطاني من منظومة الاتحاد الأوروبي، فضلا عن قضية الهجرة التي كانت سببًا في تغيير تركيبة النخبة الحاكمة في العديد من دولها، وجميعها تحديات تحتاج إلى حوار مباشر مع منطقة تعد الجار المباشر لها بما يحتمه ذلك من ضرورة الحوار الصريح بشأن تلك التحديات، أما الجانب العربي فيواجه العديد من التحديات المتشابكة والمتسارعة ليس أقلها خطر الإرهاب نتيجة الأزمات الإقليمية الراهنة ومن ثم لم يكن أمرًا مستغربًا أن يكون شعار القمة هو «الاستثمار في الاستقرار» بما يعنيه ذلك أن التحولات التي تشهدها المنطقة العربية منذ عام 2011 وحتى الآن قد أضحت جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي للدول الأوروبية ومن ثم فإن تلك الدول لم يعد لديها رفاهية الانتظار وإنما حتمية القرار لتحقيق الأمن الإقليمي على حدودها الجنوبية. وتأسيسًا على ما سبق فإن التساؤل المنطقي هل يمكن القول إن تلك القمة قد أسست لأرضية مشتركة بشأن ما يمكن أن نطلق عليه «حوار استراتيجي عربي - أوروبي» أم أنها كانت كاشفة لتباينات كبيرة بين الجانبين؟ وأتصور أن ثمة مؤشرات مهمة عكستها القمة أولها: ارتباط الجانب التنظيمي للقمة بأهدافها حيث كانت هناك جلسة حوار مفتوحة غير محددة بجدول أعمال ثم تلتها ثلاث جلسات كانت إحداها مغلقة بعنوان «مواجهة التحديات الأمنية المشتركة»، وثانيها: مستوى الحضور الرفيع يؤكد حرص المشاركين على الحوار البناء، وهو ما اتضح من مشاركة 24 من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية في تلك القمة إلى جانب عدد كبير من القادة العرب بما يعني أنها ليست قمة بروتوكولية بل إنه كان هناك حرص على الحوار المباشر في ظل ما رتبته الأزمات الإقليمية الراهنة من تحديات أمنية عالمية ليس أقلها الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وقد اتضح ذلك من توافق الحضور على مسببات الإرهاب- وإن تباينت الرؤى في هذا الشأن- لكن النتيجة واحدة وهي أن هناك أشكالا مختلفة لتحدي الإرهاب بما يتطلبه ذلك من ضرورة تكاتف الجهود لمواجهته، وثالثها: أن الاتفاق على عقد تلك القمة بالتناوب بين الجانبين إذ سوف تعقد القمة القادمة في بروكسيل عام 2022 يعني رغبة الجانبين في مأسسة علاقاتهما من خلال حوار استراتيجي مباشر بين الجارين الأقرب جغرافيا ذلك الحوار الذي بدأ قبل عقود خلال قمة الجزائر عام 1973 وما تلاها من مراحل مختلفة للحوار العربي الأوروبي. إلا أنه مع أهمية ما سبق فإن وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط للقمة للوثيقة الختامية للقمة بأنها «الحد الأدنى من التوافق بين الجانبين»، يجد تفسيره في ثلاثة أمور أولها: أنه من الصعب الحديث عن رؤية أوروبية موحدة وخاصة تجاه الأزمات الإقليمية الراهنة، صحيح أن الاتحاد الأوروبي له ثوابت محددة تجاه تلك الأزمات إلا أن ذلك لا يحول دون وجود سياسات متباينة لدوله الأعضاء تجاه هذه الأزمات والتي أوجدت تنافسًا بين دوله لا تكاملاً، وثانيها: الاختلاف بين الدول الأوروبية بشأن التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ما حال دون إدراج ذلك البند في البيان الختامي للمؤتمر، وثالثها: السجال الذي شهدته القمة بشأن قضية حقوق الإنسان والتي عكست ما تسميته «عدم تفهم أوروبي» لحجم التحديات الأمنية التي تواجهها الدول العربية بما يجعل من الحفاظ على أمن الدول ووحدتها أولوية من دون أن ينال ذلك من حقوق الإنسان التي توافقت عليها الدول كافة. وقد كان تأثير تلك الخلافات واضحًا في صياغة البيان الختامي الذي تجنب الإشارة إلى القضايا الخلافية وجاء بلغة دبلوماسية تمثل ما يمكن اعتباره «إرضاءً للطرفين» مع التأكيد على إبراز العديد من التوافقات بشأن الرؤية المشتركة لحل الأزمات الإقليمية الراهنة. وفي تقديري أن المعضلة ليست في تواضع نتائج القمة بل في قدرة الجانبين على الدفع قدمًا نحو تأسيس آليات عملية تلتئم فيها جهود الجانبين ويبقى ذلك مرتبطًا بدرجة كبيرة بعدة أمور: الأول: تطور الاتحاد الأوروبي ذاته نحو المزيد من الوفاق أم التباين وخاصة بشأن مقترح الجيش الأوروبي الموحد الذي يستهدف بلورة هوية أمنية أوروبية، والثاني: مدى نجاح الجانب العربي في استحضار الدور الأوروبي في الملفات الإقليمية في ظل تحولات السياسة الأمريكية بشأن الانسحاب من بعض مناطق الصراع والذي يمثل فرصة مواتية لأوروبا إقليميا، والثالث: الصيغة التي سوف يتخذها الحوار بين الجانبين مستقبلاً حيث إن إطلاق حوار استراتيجي متعدد القضايا والمستويات قد بات ضرورة ملحة في ظل عالم سريع التحول بما يعنيه ذلك من أن الحوار بين التكتلات الإقليمية من شأنه ليس فقط تعظيم مصالح دولها بل تعزيز دورها ضمن نظام عالمي متغير. { مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
مشاركة :