الزائر لمهرجان طيران الإمارات للآداب، يلاحظ بلا شك، أجواءه المفعمة بالحيوية والإيجابية والطمأنينة والتعايش والتسامح، والاندفاع من أجل المزيد من المعرفة والتعارف، ويلاحظ أيضاً، كيف يبدو الإنتركونتننتال فستيفال دبي، خلية عقول عابرة للإبداع، تتحرك بين ورش القراءة والكتابة والرسم، من طلاب المدارس، والجامعات، والكتاب، والجمهور العادي والمثقفين، وستلفته الحركة المشهدية بقوة، ليقترب أولاً من كتاب (قصتي) لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومعرض الكتب المصاحب، والديكور المتنوع الذي يحضر كلوحة متناغمة، إضافة إلى الأركان المتوزعة في المكان، ومنها ركن (تجول في عالم الفن والإبداع) الذي يعلن موسم دبي الفني الذي يقام برعاية الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وأمام هذا الركن، نتأمل معرضاً تشكيلياً فانتازياً، يمثل دور المرأة الفاعل، نذكر من لوحاته: لوحة لمعالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، رجاء القرق، مريم شديد، لطيفة النادي، فريال البستكي، زهرة لاري، الدكتورة رنا الدجاني، أمل كلوني، الدكتورة حياة سندي، زها حديد، دانا البلوشي، عليا النيادي، سامية حلبي، ومريم المنصوري. آراء في المهرجان ضمن هذا الطقس الشتوي المتفتح على الموج ومكتبة محمد بن راشد والنباتات والحركة المشهدية للناس، التقت «الاتحاد» ببعض الكتاب والمتابعين، لمعرفة العين التي ينظرون بها إلى هذا الحدث. يقول المترجم العراقي شاكر حسن: «المهرجان متعة سنوية، اطلع من خلالها على أحدث ما ينشر، وأحدث ما يقوله الأدباء مباشرة عرباً وأجانب، ولكن، يكون هناك أشياء مكررة، مثل التركيز على جانب معين أو شخصية معينة، بينما هناك أدباء آخرون يستحقون الانتباه ولا يأخذون الفرصة، ويضيف شاكر حسن: لاحظت أن الأدباء الأجانب متواضعون، ومتابعون، ويحترمون الجمهور، ولكنهم لا يعطون الإجابة كاملة، لأنهم يخشون على البعد التجاري»، واختتم: «المهرجان ملتقى مميز في المنطقة العربية، ويمنحنا الاطلاع على الأحداث أدبياً وفكرياً، انطلاقاً من دبي وهي قلب الحدث». وتؤكد الكاتبة العمانية هيام يونس، المقيمة في دبي، لـ «الاتحاد» أن مهرجان طيران الإمارات للآداب أكثر من رائع لأنه غذاء الروح، كما أنه يجمع الأرواح تحت سقف واحد للبحث والنشر وحب الكتاب والقلم، وهذه المرة الثالثة لحضوري لهذا المهرجان المميز الذي تلتقي فيه الناس على الكلمة الجميلة، وتنشر ظلالها على العالم. وترى الشاعرة الإماراتية صالحة غابش، أن المهرجان عالم مفتوح على الفكر، ومناسب لجميع فئات المجتمع، ويمنحنا المزيد من التأثير المتبادل والإيجابية والتعلّم. نشر وكتب وحقوق ابتدأ اليوم الثالث من مهرجان طيران الإمارات للآداب، بورشة عمل مختصة بالنشر وبيع الكتب، قدمتها الناشرة والكاتبة الكويتية بثينة العيسى، مؤسسة منصة تكوين، مجيبة فيها عن أهم الاستراتيجيات الناجحة في بيع الكتب، ورأت أنها تكمن في العديد من المحاور والوسائل والوسائط، منها: بيع التجزئة، والقنوات المختلفة للتوزيع، مثل توظيف المنصات والوسائل الأكثر فاعلية لتشجيع القرّاء على التفاعل مع المؤلفين وشراء المزيد من الكتب، والفعاليات التي يمكن أن يقيمها أو يشارك فيها الناشرون. بينما تمحورت الجلسة النقاشية التفاعلية الثانية حول (عقود النشر) كبداية لعلاقة ناجحة بين الناشر والكاتب، قدمتها جمعية الناشرين الإماراتيين، وتحدث فيها باللغتين العربية والإنجليزية كل من: ناصر عاصي، إيمان بن شيبة، روان دباس، وأدارتها أليسون وليامز، موضحين المصطلحات الأساسية، والعقود النموذجية، وكيفية تنظيمها، وكيفية إبرام الاتفاقيات، والمعيارية التي تحمي حقوق الناشر والمؤلف معاً. دارت الجلسة حول العديد من الأسئلة المحورية، مثل: كيف يمكن تحقيق الفائدة المتبادلة للمؤلف والناشر والقارئ والكتاب؟ هل هناك تصنيف موجه لعمر الطفولة والشباب؟ لماذا لا يكون هناك موقع إلكتروني عربي لبيع الكتاب كموقع أمازون مثلاً؟ كيف نحل المشاكل المتعلقة بالملكية الفكرية والأدبية؟ وكيف نحمي هذه الحقوق من القرصنة بمختلف أشكالها؟ وماذا عن الرقابة؟ وتحدث ناصر عاصي عن طبيعة العقد كشراكة قانونية، فالمؤلف لديه فكر، وله أن يعي حقوقه، ويعرف عدد النسخ والمبيعات، وأن تحكم العقد مدة زمنية محددة لشراء الحقوق، سواء كان الكتاب ورقياً، أو إلكترونياً، أو سمعياً، وذلك إضافة للمدة الزمنية لمدة إنجاز العمل، وتسليمه، وكلفته التي من الممكن أن تكون على الناشر في حال إذا كان المؤلف مميزاً، بينما تكون على المؤلف فيما إذا كانت خبرته أقل، أو يحتمل الطرفان الأعباء المادية تبعاً لبنود العقد. ولفت ناصر عاصي إلى أنه لا يوجد عقد كامل، ويظل المحور الأساسي لأي تعامل هو الأخلاقيات المهنية، فلا يعقل أن يبطل المؤلف تعاقده مع الناشر الأول لمجرد أن ناشراً آخر دفع له أكثر، ولا يمكن للناشر أن يتجاهل بنود العقد، وأشار إلى أن جمعية الناشرين الإماراتيين دائمة التعاون مع الجهات والاتحادات والمنظمات والجمعيات الأخرى من أجل هذه الموضوع، ومن الممكن في حال القرصنة والاستهتار بحقوق الملكية الفكرية، أن تضع كاتباً ما، أو ناشراً ما، على القائمة السوداء لمنعه من المشاركة في الأنشطة الخاصة بهذا المجال من معارض كتب عربية وعالمية وسواها، مختتماً: رغم أننا نسعى على العمل مع الجهات الأخرى من أجل عقد عالمي موحد، إضافة إلى ضرورة تضافر الجهود جميعها من أجل محاربة القرصنة التي تحدث أحياناً حتى مع الرقم الدولي العالمي للكتاب، رغم أن لهذه القرصنة عقوبات معنوية، ومادية تصل إلى (50) ألف درهم. ومن جانبها، أكدت روان دباس، أهمية أن يكتب العقد، بلغة واضحة، ومصطلحات محددة، منها إمكانية إنهاء العقد في حال عدم التزام أحد الطرفين ببنوده وشروطه، وعلى الناشر أن يسهم في نشر الكتاب ضمن المعايير الخاصة، وعلى المؤلف الالتزام بمواد العقد. بدورها، أشارت إيمان بن شيبة إلى ظاهرة الأنا المتضخمة لدى بعض المؤلفين الذين يظنون أنفسهم وحتى منذ الكتابة الأولى أنهم من أعظم كتاب العالم، وسيبيعون آلاف النسخ من كتبهم، مؤكدة: «نحن في الجمعية دائمو العمل على إنجاز الأفضل من المعايير المناسبة، والإجراءات المتكاملة التي تحفظ حقوق الأطراف، وتسهم في رفع مستوى الوعي والوساطة في الخلافات، وتسويتها بأسلوب مناسب». وذكرت أن الإمارات لديها برامج في هذا المجال، لا سيما الشارقة، وتساهم في التعاون مع المؤلفين والناشرين، مؤكدة أسلوب التعاون من أجل إصدار ونشر وتوزيع الكتاب، وعلى العمل من أجل (الفهرس الموحد) للكتب عربياً، لمعرفة حركة الكتب، والسوق، والنشر، وجميع المعلومات المتعلقة في هذا المجال. وتصدرت قضايا النشر في الجلسات المسائية؛ ففي جلسة عن العلاقة بين نشر الأعمال الجديدة وديناميات الترجمة، تحدث كل من: بسام شبارو، د. نيل هوسون، ياسمين ثيل، ثاليا سوزوما،الذين أجابوا عن أسئلة من نوع: من الذي يقود القرارات المهمة في عالم النشر والترجمة ويتولى المفاوضات؟ هل تلتزم أفضل المترجمات بالنص الأصلي، أم أنها تحاول أن تسيطر على توجه الكتاب؟ ما هي التحديات الرئيسة التي تُواجه المترجم عند الترجمة، وكيف يعمل فريق الترجمة على تحقيق النجاح؟ وكان للنشر الرقمي ومنافسته على جذب القارئ، دوره في جلسة شارك فيها كل من: شادي الحسن، إيمان بن شيبة، وطارق البلبل، الذين تحدثوا عن نمو هذا الجانب في العالم الافتراضي، وعن تأثيرات هذا الجانب الحيوي في مبيعات الكتب، والمحتوى باللغة العربية، وهل أسهم في ارتفاع الخط البياني القرائي والتسلية الرقمية في منطقتنا؟.
مشاركة :