الطقس المتقلب هذه الأيام جعل أسبوعنا يختزل الفصول الأربعة، الذي ينعكس بدوره على أمزجتنا فيجعلها تتناقل بين القطبين المتناقضين بشكل عصي عن التفسير. فقد احتضنت مدينة الخبر مهرجان الأفلام السعودية، فتألق بشكل لافت وحاز على إشادة الكثير من المهتمين، سواء من ناحية جودة الأعمال المقدمة التنظيم، كثافة الحضور. هذا رغم أن معظم الأفلام المشاركة في غالبيتها لهواة داخل محيط غير صديق لصناعة الأفلام. ذلك قبل أن تبادر جامعة عفت بخطوة رائدة بتأسيس فرع أكاديمي معني بصناعة الأفلام، ونرجو أن تتبعها بقية جامعاتنا بعد أن باتت ثقافة الصورة هي لغة العصر الأقوى. ولعل أزهى ما بالموضوع هو فوز المخرجة السعودية هناء العمير بالنخلة الذهبية عن فيلمها (شكوى)، فكانت نخلة تتوج بنخلة، فالمخرجة هناء من النادرات اللواتي يمتلكن ثقافة سينمائية عميقة، يردفها تأصيل أكاديمي ورؤية فنية شفافة. غابة النخيل المغدق في الخبر تزامنت مع إطلاق دعاية فيلم الإنيميشن العالمي ثلاثي الأبعاد(بلال)، وهو الفيلم الذي يقدم سيرة الصحابي بلال رضي الله عنه، وأُنتج من قبل المنتج السعودي أيمن جمال وسيقدم ضمن أجود المواصفات العالمية ليعرض بداية في الولايات المتحدة، ومن ثم يطوف العالم برسالة إيجابية عن الإسلام. وفي الأسبوع نفسه أبدت جميع الصحف المحلية نشاطاً فائقاً في تغطية حفل توزيع جوائز الأوسكار العالمية فنالت تفاصيل الحفل صفحات كاملة أحياناً، كما قامت بدورها معظم المحطات الفضائية بتغطية هذا الحفل الذي يستقطب المشاهدين من جميع أنحاء العالم، بعد أن أصبحت ثقافة الصورة هي القوة الناعمة التي تتحكم في أفكار وأذواق وسبل التعاطي مع الحياة. ولكن الأسبوع الماضي له أيضاً خريفه و وجهه المكفهر فعندما شاءت الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض الكتاب القادم في الرياض أن تشارك بعرض أفلام سعودية ضمن الفعاليات، حجب الموضوع من قبل وزارة (الثقافة) والإعلام!! لتبدو هنا المفارقة صعبة فنحن لا نستطيع أن ننظر للموضوع بلا مبالاة أو حياد كأي شيء يتعرض للمنع فنبتلع غصتنا ونصمت، فعندما تمنع وزارة الثقافة والإعلام فيلماً سعودياً محلياً، فهذا الأمر يوازي أن يمنع وزير التجارة والصناعة خط إنتاج في صناعة التمور، أو يغلق وزير التعليم مدرسة في منطق نائية !! إذاً هل مهمة وزير الثقافة والإعلام تنحصر في دورها التقليدي الرقابي ؟؟ لتحجب أفلام اختارتها لجنة ثقافية تم اختيارها من قبل الوزارة نفسها؟ أحد الشباب المبدعين في مجال الأفلام أخرج يوماً ما فيلماً اسماه (السينما..500كيلو) ولكن الآن أعتقد أننا بعدنا لسنوات ضوئية. على كل حال العالم لم يعد ينتظرنا لنختار من قوائمه مايعجبنا وما نرفضه.. فهو يكتسحنا من كل فج عميق، والأفلام التي منع عرضها ضمن فعاليات معرض الكتاب ستكون موجودة حتماً على اليوتيوب. يبقى على المسؤولين عن الثقافة فسح حيز لثقافة الصورة بشكلها الراقي والسامي، تحت مظلة مؤسسة رسمية، وبإشراف نقاد وفنانين ومهتمين، بحيث تصان من الغرائزية السذاجة والتافهة والابتذال والإسفاف التي هي موجودة على مرمى ضغطة زر من الشباب. السبيل الوحيد لحماية الشباب من تيارات الابتذال والغرائزية، أخذهم نحو صالات ونوافذ تقدم الفنون البصرية ضمن شروطها الإبداعية والجمالية الراقية والسامية، فتصقل أذواقهم وترهف إحساسهم وتحصنهم عن الرخص والابتذال المتغول بكثافة داخل أجهزتهم الذكية. وبين مهرجان الأفلام السعودية.. وحجب الأفلام السعودية.. هناك أسبوع يختزل مزاجية الفصول الأربعة. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :