فصل الشطار.. وفصل الكسالى - أميمة الخميس

  • 5/11/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الصف المدرسي لدينا ينقسم إلى مجموعة الشطار، ومجموعة الكسالى، في فرز طبقي يجعل من المؤسسة التعليمية مؤسسة عنصرية، تقدم امتيازات لجماعة وتحجبها عن أخرى دون مسوغات تربوية معقولة، وبشكل يجعلها كالبستاني الذي أُوكل له بستان فبدلا من أن يخصب التربة ويهيئها ويخلصها من الشوائب، ويتعهد البراعم بالسقاية والرعاية، فإن المؤسسة التربوية تتحول مقصا هائلا يجتث جميع البراعم والنباتات والمواهب والتوقدات التي تكابد بخجل وتردد طريقها نحو الحياة، ببساطة لأن هذا المقص لايعرفها، أو أنه لاتوجد على قائمة مألوفاته، بل قد يحاربها بمبيد التصنيفات والإهمال. فالشطار لديه هم أصحاب الذاكرة الفوتوغرافية الذين يعيدون له ما مرر لهم بتفاصيله الدقيقة، إضافة إلى أولئك الذين يمتلكون قدرات التجريد والأرقام جميعهم في سلة، بينما يوجد في سلة الكسالى أولئك الموهوبون في التشكيل والنحت والأشغال اليدوية، أو الحركات الأدائية، أو القدرات البدنية الرياضية، أو الخطباء والمفوهون، أو الدراميون، أو القاصون أو الحرفيون الشغوفون بفك الأشياء وإعادة تركيبها.. وباقات آخرى لامتناهية من العباقرة.. فلعل هذا يفسر لنا لمَ تحولت المدرسة إلى مكان غير ودود، كونه يضع الأفراد داخل قوالب تطمسهم وتشوه ملامحهم، وتقصيهم عن تلك الخصائص الجميلة والتمايزات النادرة التي خصهم بها الله سبحانه وتعالى وفق طبقية عجيبة تعمل ضد فطرتهم. والتعليم النظامي داخل صفوف لطالما كان له مناهضوه ورافضوه منذ بدايته فالفيلسوف الشهير جان جاك روسو كان يرى أن الغابة والطبيعة الفطرية هما أفضل معلم فيقول (كل شيء صنعه خالق البرايا حسن وكل شيء يفسد بين يدي الإنسان) بينما الفيلسوف الإنجليزي برتراند رسل له رأي أكثر تطرفا حول المؤسسة التعليمية فهو يقول (لا يولد البشر أغبياء بل جهلة، ثم يجعلهم التعليم أغبياء) لذا لن نستغرب موقف بروفيسور إنجليزي آخر ويعتبر من أشهر المعنيين بالتعليم وقضاياه وهو السير كين روبنسون الذي يقول (إن نظامنا التعليمي الحالي يقوم على فكرتين الأولى احتياجات التصنيع، والثانية القدرة الأكاديمية، لذا المواضيع ذات الفائدة الأكبر لمتطلبات سوق العمل تتربع على القمة. فيتم توجيه الطالب في المدرسة بعيدا عن الأمور التي هو شغوف بها لأنها لن تجلب له عملا في المستقبل، لا تعزف، فلن تكون موسيقارا، لا ترسم، إنك لن تكون فنانا.. وهكذا. والفكرة الثانية هي القدرات الأكاديمية، والتي طغت فعلا على نظرتنا للذكاء وذلك لأن أكاديميي الجامعات هم الذين صمموا النظام التعليمي لذا فإن النظام بأسره حول العالم هو عملية طويلة الأمد لدخول الجامعة. والنتيجة هي أن العديد من الموهوبين، العباقرة والمبدعين يعتقدون أنهم ليسوا كذلك، لأن الأمور التي كانوا متميزين فيها في المدرسة لم تكن تُقَدَّر، وحتى كانت توصَم بالعبث.) وقد يبدو الأمر مركبا لدينا في العالم العربي لاسيما في ظل محيط، يجعل من الأنشطة الإبداعية، البدنية، التعبيرية، والحرف اليدوية، بالإضافة إلى الفنون بأسرها ممارسات هامشية، يتاح لها فتات الوقت والميزانيات والاهتمام، وتبقى محاصرة بالاستخفاف والنظرة الشعبية المستريبة كنوع من العبث، لأنها أنشطة لاتؤدي للجامعة أو تساعد في الحصول على عمل محترم. لذا وإن كانت الفنون والآداب هي الواجهات الحضارية لشعوب العالم، يبقينا إنتاجنا في هذا المجال في أسفل القائمة العالمية سواء على مستوى الفنون أو الآداب أو الرياضة. وتظل المدارس لدينا عاجزة عن الاحتفاء بالتعدد والتنوع في المواهب والنزعات والميول، عاجزة عن إثراء المجتمع بمواهب أفراده واستثمارها، وتهيئة تربة صالحة، تحتفي بفطرة الإنسان الطبيعية، والميزة والموهبة التي خصه الله بها دون بقية البشر. فتبقى فصولنا تكابد ذلك الفصل العنصري بين مجموعة الشطار ومجموعة الكسالى. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :