لاشك أن هذه الأيام تمثل فترة استثنائية تشهد فيها متغيرات متسارعة اجتماعية، اقتصادية و ثقافية… لايمكن التأكيد بأن هذه المتغيرات خاصة بمجتمعنا ولكن يبدو أنها كونية ويرجعها الكثير من المفكرين و المراقبين إلى مستجدات اقتصادية، تقنية وثقافية. هيمنة العولمة بأنواعها الاقتصادية والثقافية، الثورة المعلوماتية وماجلبته معها من أليات وأدوات متعددة للتواصل، تركتا آثارآ واسعة في المجتمعات والاقتصاد وحتى السياسة حول العالم. جميع المتغيرات السابقة متظافرة ساعدت في انتشار النمط الامريكي في الاستهلاك مما أدى إلى طغيان المادة و المجتمع الاستهلاكي. هذه المتغيرات تركت بصماتها على المجتمعات عبر التأثير بشكل مباشر في الثقافات المحلية مما أدى إلى التأثير على القناعات، القيم وهذا أدى بدوره في احداث تغيير في الأخلاق. تغيرات الأخلاق لا أدعي أني أملك آليات لرصد التغيرات في القيم والأخلاق بحيث أستطيع أن أشير إلى أي القيم الأخلاقية التي لازالت تقاوم المتغيرات وتحافظ على عنفوانها، والقيم الأخلاقية التي تحت التهديد، و القيم التي تأثرت أكثر من غيرها . ولكن من المؤكد أن هـناك تغيرات في القيم والأخلاق يمكن ملاحظتها و بسهولة أثناء ممارستنا لحياتنا اليومية عبر الاحتكاك بالآخرين، في الشارع، السوق، المجالس …..الخ. يشير المفكر جلال أمين إلى المتغيرات في القيم والأخلاق ” [نلاحظ ] حلول الاهـتمامات المادية محل الاهتمامات الأخلاقية ……إنه من الأنسب وصف هذا العصر بأنه عصر الاقتصاد، حيث كاد يصبح كل شئ قابلآ لأن يقيم بالنقود وقابلا للبيع والشراء….. وفي عصر مثل هذا لا بد أن ينحسر الاهتمام بما يسمى اهتمامات أخلاقية إذ أن الأخلاق أصبحت هي نفسها خاضعة للتقييم النقدي أو المادي”. لعله من المناسب ربط هذه المتغيرات في الاهتمامات الأخلاقية إلى تبني البعض وبشكل ملحوظ مذهب ” المنفعة/المصلحة ” والذي قال به الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بينتام في القرن الثامن عشر الميلادي. يرى مذهب ” المنفعة/المصلحة ” أنه ينبغي على الناس اتباع سلوكيات مرتبطة أكثر بالمنفعة الفردية منها إلى القيمة الأخلاقية نفسها وبهذا يكون على الناس البحث عن الأمور التي توصل إلى تحقيق الأهداف الشخصية بغض النظر عن الاهتمامات الأخلاقية. مِن دون الخوض في التفاصيل أو نتائج تصنيفي لوضع القيم الأخلاقية، يظهر أن أكثر ظاهرة أخلاقية مرتبطة بتبني الناس لمذهب ” المنفعة/المصلحة ” هي أزمات الثقة. أزمات ثقة ربما تكون أزمات الثقة لم تتحول بعد إلى ظاهرة، ولكنها موجودة على مستويات متعددة أينما كان وجود لعلاقات بين البشر. فقد تظهر بين أفراد الاسرة الواحدة أثناء توزيع الإرث ، بين البائع والمشتري في الأسواق حيث يظهر الغش في البيع كما قد يظهر الخداع والكذب في التسويق و الإعلانات التجارية. أزمة الثقة في العمل بين الرئيس والمرؤسين أو حتى بين العاملين أنفسهم حيث يكون الشك هو مايميز بيئة العمل …الخ. أزمة الثقة ممكن أن تظهر ايضآ في مراجعة الإدارات الحكومية الخدمية بين الموظفين والمراجعين. أزمة الثقة تظهر عند شك أحد الأطراف المعنيين بوحود أجندة مخفية عند الطرف الاخر وعادة ما يكون هذا الشك بناء على نوايا مصلحية، معلومات، انطباعات، أو تدخل أطراف أخرى في تغذية الشك والارتياب. أزمات الثقة في جانبها الاجتماعي أو الاقتصادي لها تأثيرات سلبية حيث تعبر عن هيمنة الارتياب و الشك في العلاقات بين الناس و تؤدي إلى إشاعة بيئة غير صحية في المجتمع. الختام هل هناك عتيق وجديد في الأخلاق أم أن القضية في هذه التغيرات أنها مؤقتة?. مبادئنا و قيمنا تقول أن الأخلاق لا ينطبق عليها مقولة ” قديم ” و ” جديد ” بل هي موضوع مجرد نلمسها في تعامل الناس فيما بينهم ويعبر عن الترابط والانسجام المجتمعي. أن تبني مذهب المنفعة من قبل أفراد مجتمع ما قد يكون له الجانب المفيد على مستوى الأفراد لكن له الجانب المظلم على مستوى المجتمع. يصف المفكر الاقتصادي الإنجليزي، مؤسس الاقتصاد الكلي جون مينارد كينز الجانب المظلم لمذهب المنفعة بأنه ” كالدودة التي تنهش بالحضارة الغربية”.
مشاركة :