وداعًا.. راشد المبارك

  • 2/28/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أيُّها الصديق الأثير فوجئت برحيلك دون وداع، لكننا نسلّم بقضاء الله وقدره، فكل نفس ذائقة الموت. والموت باب كل الناس داخله. أسأل الله أن يغفر لك ويرحمك، وأن يتقبلك قبولاً حسنًا مؤداه إلى الدرجات العليا من الفردوس، ويثيب محبّيك على صبرهم في المصاب الجلل، وأن يجمعنا مع السابقين في جنات عدن عند مليك مقتدر. فما أن أفَقْتُ من هول ما عَرَفْتُ، حتى أخذت الذكريات تترى، الواحدة تلو الأخرى. فقد جمَعَتنْا، قرابة عقد ونصف عقد، لجنة علمية، كانت تستكمل إضباراتها الرسمية كل أسبوع، ولكنها جمعت أعضاءها في صلة إنسانية رائعة لا تُنسى، فمهما احتدمت الخلافات على طاولة الاجتماعات، كانت العلاقات الإنسانية الراقية تطوي ما تُحْدِثه جدلية النقاش على النفوس. وأذكر أنه في يوم كنا فيه على طرفي نقيض في الرأي، وفي المساء ذاته اصطحبتني في عربتك، يقودها سائقك، لنستمتع معًا بسماع مجموعة رائعة من أغاني فيروز على أطراف مدينة الرياض الرائعة. اللجنة المذكورة كانت برئاسة الأخ محمود سفر، وضمّت في عضويتها نخبة من أروع الرجال الذين عرفتهم، الإخوة: محمد الأحمد الرشيد -يرحمه الله- وعبدالوهاب أبوسليمان، ومحمد التركي، وسراج ملائكة، و(راشد المبارك)، وعلي الدفاع، وفهد الدخيل، وشخصي الضعيف، فلم أشهد طيلة حياتي العملية مجلسًا أروع من ذاك، ولا إخوة ألفتهم وأحببتهم، أكثر من أولئك النفر الكبار معنى ودلالة، وقد كُنْتَ أنت من هذه الصفوة أيُّها الحبيب الغالي، راشد المبارك. لقد كُنْتَ أيُّها الفقيد العزيز، شاعرًا وذوّاقًا لأجود النظم من قصائد الشعر. وكم استمعت إليك لساعات وأنت تقرأ الروائع من شعر شاعرك الأثير سليمان العيسى. ومن ديوانك الفريد الذي أصدرته لبعض شعرك معنونًا بـ(رسالة إلى ولاّدة)، أودعتني نسخة منه بكلمات رقيقة قلت فيها: "خفقات جناح إذا لامست بعض أوتارك، فقد وصلت إليك". وفي (دفاترك المهجورة) كتبت لي على أنها: "صفحات من شجوننا هي صدىّ استبق هذه المرة الصوت الذي سبقه، وهو صوت قلة من الرائين أنت واحد منهم". فيالنبلك أيُّها الراحل العزيز. وأذكر ونحن في ضيافة الرجل الكبير الأمير سلطان بن عبدالعزيز -يرحمه الله- لمدة تزيد على أسبوعين، وكيف كنت تدير الحوار بيننا وبينه في أمسيات ندية لا تُنسى، حفلت أجواؤها بسموق الضيوف، وكرم المضيف وأريحيته. لقد طَرَحْتَ عليَّ سؤالاً منذ ما يزيد على ثلاثين عامًا: الباحثون في الجامعات العربية على كثرتهم من المحيط إلى الخليج، لابدّ أنهم نالوا ترقياتهم العلمية بأبحاث مبتكرة، كما تنصّ اللوائح، وأنها خَرَجَتْ بعد تجارب معملية وتطبيقية، وكان سؤالك: ما أثر تلك الأبحاث المهولة عدديًّا في التنمية العربية؟ أجيبك أخي وأنت في صمتك الأبدي: سؤالك بقي بلا إجابة حتى اللحظة، وآمل ألاَّ يُطوى كما نُطْوى تحت الثرى، جيلاً بعد جيل. رحمك الله أخي راشد المبارك، ولأن جمعتنا دُورٌ في الدنيا، فالدار الآخرة أرحب وأبقى. فما كان موت راشد موت واحد ولكنه بنيان فكر تهدما فلنا جميعًا أبلغ العزاء وأصدق المواساة.

مشاركة :