يختلف الحديث عن البطالة اليوم عنه قبل أسبوعين، إذ بالأمس لم تكن وزارة العمل قد أقرت بوجود المشكلة ولم تكن ضمن أولوياتها الملحة كما هي اليوم بعد أن أطلق سمو رئيس الوزراء «البرنامج الوطني للتوظيف». بالأمس أصرّ وزير العمل على أن البطالة في مستواها الآمن واليوم يتم الحديث عن خطر البطالة على الأمن الوطني. بالأمس كان مجلس التنمية الاقتصادية يرفض الاستماع إلى أي حديث عن دعم البحرينيين وتخصيص مهن معينة لهم واليوم أصبح هذا الحديث مقبولا ويتم تداوله حتى بين الأجهزة الرسمية. بالأمس كان الحديث عن البحرنة مرفوضا تماما واليوم يتحدث وزير العمل عن فرض نسب من البحرنة، وإن كان بطرق تحتاج إلى توضيح. ما الذي اختلف بين الأمس واليوم؟ ليس مستوى البطالة ولا تشريعات سوق العمل. الذي اختلف فقط هو استجابة القيادة السياسية التي جعلت الرافضين يرون المشكلة. وليتهم رأوا قبل سنوات ما كان وصل الحال إلى ما نحن عليه اليوم. البطالة في حال استمرارها تقضي على حياة الشباب وتُسْلمهم إلى الإحباط فيفقد بذلك المجتمع ثروة وطنية كان بإمكانها الإسهام في التنمية. اليوم تم إطلاق البرنامج الوطني للتوظيف الذي كان استجابة لما استشعره المجتمع من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وخاصة الجامعيين في تخصصات رئيسية مثل الطب والهندسة وتقنية المعلومات. شكرا للحكومة على الاستجابة، واليوم ينبغي أن نتدارس عناصر البرنامج ونُقَيم مدى قدرتها على معالجة المشكلة على المدى القصير وعلى المدى البعيد. شمل البرنامج أربع مبادرات نأمل أن تخفف من نسب البطالة المرتفعة وتمنحنا الوقت لمعالجات أعمق على المدى البعيد. ينقسم البرنامج إلى قسمين أحدهما يتعلق بالباحث عن عمل (جانب العرض) والآخر بصاحب العمل (جانب الطلب). بالنسبة إلى الباحث عن عمل فإن البرنامج يحاول أن يساعده في الحصول على وظيفة من خلال التدريب ورفع مستوى مهاراته العملية، ومنحه إعانة مادية تساعده في فترة البحث عن عمل والتي امتدت إلى تسعة أشهر، كما ارتفعت الإعانة إلى 200 دينار بالنسبة إلى الجامعي. بدأت وزارة العمل بتسجيل أسماء العاطلين الجدد، وتعهد مجلس التنمية الاقتصادية بفتح موقع إلكتروني للتسجيل لتسهيل العملية. فيما يتعلق برفع قدرات الباحث عن عمل فقد بدأت تمكين قبل إطلاق البرنامج الوطني بإعادة النظر في برامج التدريب لديها وسوف تفصح عن التعديل خلال هذا الشهر. بالنسبة إلى صاحب العمل فإن البرنامج يأخذ في الاعتبار عدم إجباره على البحرنة ويعتبره قرارا اقتصاديا تأخذه إدارة المؤسسة ولا يخضع لاعتبارات أخرى. وعليه فقد منح البرنامج إعفاء عن رفع كلفة التصاريح المرنة والنظام الموازي في حالة الالتزام بالبحرنة. البرنامج يتعامل مع البطالة على المدى القصير لتوفير معالجة سريعة. وقد تكون هناك معالجة قادمة على المدى البعيد تتناول جوهر المشكلة والإجابة على أسئلة مثل: هل ما تقدمه تمكين يكفي لتوفير المهارات وصقل القدرات؟ قد يكون الأمر كذلك اليوم لكن ماذا عن غد؟ ماذا عن دور وزارة التربية والتعليم ومعاهد التدريب والتعليم العالي؟ هل سيتم إعادة النظر في مناهجها وأساليب إدارتها وتقييم مخرجاتها والوقوف على أسباب عدم ملاءمتها لمتطلبات السوق؟ وكيف ستختلف مقاربتها المستقبلية للمشكلة؟ السؤال الثاني هو كيف سنتعامل مع خلق فرص عمل مجزية للشباب في الثورة الصناعية الرابعة المقبلة ونحن لم نستعد للثورة التي سبقتها؟ الالتحاق بالركب لا يقتصر على استخدام منتجات التكنولوجيا بل نحتاج إلى أن نكون عنصرا فاعلا في إنتاجها وتسويقها. هذا يتطلب كذلك مقاربات مختلفة لقضية التنويع الاقتصادي والابتكار والإبداع. السؤال الثالث يتعلق بالجدوى من الحرية الاقتصادية التي تنتهجها وزارة الصناعة ومجلس التنمية الاقتصادية وهل هي ناتجة عن توافق وطني أم أنها قناعة فئة معينة؟ وكيف تكون الحرية الاقتصادية في ظل غياب مساواة في الرواتب بين الأجنبي والبحريني. عدم المساواة بالضرورة يخلق سوقا مشوها لا يستجيب للحرية الاقتصادية كما هي مطبقة في دول أخرى. فكيف سنتعامل مع هذا المأزق والتناقض بين الحرية الاقتصادية وبين التمييز في التعامل مع الأجانب؟ وقد أبدى مجلس الشورى رأيه في عدم تعارض الاستثمار مع البحرنة ويتفق معه معظم الشعب البحريني. البطالة الموجودة في غالبيتها بطالة ناتجة عن تشوه السوق وافتقاره إلى التنافسية. وهذا البرنامج لا يصل إلى صلب موضوع إصلاح السوق والتشويه الناتج من عدم تكافؤ الفرص وتدني رواتب العمالة الأجنبية وعدم قدرة المواطن على المنافسة. مطلوب إحداث إصلاحات في سوق العمل تهدف إلى تمكين المواطن من الفرص المتاحة في السوق؟ وجعل سوق العمل (الخاص والعام) تنافسيا خاضعا للكفاءة. الميثاق والدستور يضمن إتاحة فرص العمل للمواطن، الرؤية 2030 تقوم على مبادئ التنافسية والعدالة والاستدامة. سوق العمل اليوم غير تنافسي ويميل إلى صالح الأجنبي الذي يمكنه من قبول ظروف لا يستطيع المواطن أن يعيش معها، سوق العمل غير عادل لأنه يخضع للمحسوبية والواسطة على حساب الكفاءة. سوق العمل اليوم غير مستدام، كون البطالة قد تؤدي إلى عدم استقرار. ومع كل ذلك نقول إن المبادرة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح للتعامل مع المشكلة آنيا. نأمل أن تتبعها معالجات أعمق تدخل في صلب الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه المشكلة في المقام الأول، وتجيب على العديد من الأسئلة التي طرحت هنا وفي الصحافة والتواصل الاجتماعي.
مشاركة :