مشكلة التربية تكمن في إيلاء القيمة إلى الرعاية

  • 3/6/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شيء واحد كنت أعرفه: الكتابة عن الأمومة كانت أمرا مبالغا فيه من الناحية العاطفية. ثم أنجبت طفلا ولم أعد أستطيع التوقف. أدرك الآن أنني كنت قد اقتنعت بصحة الأسطورة: أن موضوع الأبوة والأمومة نرجسي للغاية. وجهة النظر هذه مفادها أن العالم الذي يتجاوز الباب الأمامي للعائلة، هو المكان الذي تحدث فيه الأشياء الجادة، مثل الاقتصاد، أو الأعمال أو السياسة، بعيدا عن الأعمال المنزلية، والرعاية والحب. حقيقة أنه كان لدي بعض التعاطف مع مثل هذا التمييز الاجتماعي يجعلني أشعر بالخجل. غالبا ما يتم تجاهل النساء اللواتي يكتبن عن الأبوة والأمومة باعتبارهن عاطفيات وغير ذوات أهمية. كما كتبت هيلاري فرانك في مقالة نشرت عن "كراهية النساء الخاصة المحجوزة للأمهات"، الأمومة هي "الموضوع الأكبر والأكثر تعقيدا الذي كتبت عنه... ومع ذلك يتم التعامل معه كأنه موضوع صغير ومخصص وغير مهم، وتغطيته غيرت الطريقة التي يعاملني بها زملائي". حتى لو لم تكن العواطف موضوعا جديرا بالدراسة، وهو خبر جديد لعلماء النفس والشعراء ومؤلفي المسرحيات، إلا أنه من الواضح لأي أب أو أم تعمل، أو يستخدم المستشفيات والمدراس العامة، أو يحاول العثور على رعاية للأطفال بأسعار معقولة، إلى أي مدى هذه العوالم المحلية والعامة متشابكة. وكم مرة يمكن أن تحتك مع بعضها بعضا. هناك ثلاثة كتب تدرس الطريقة التي تشكل فيها الأبوة والأمومة، وفي المقابل تشكل المجتمع والاقتصاد. وهي تثير تساؤلات حول مسؤوليات الشركات تجاه موظفيها وهوس الشركات بساعات العمل الطويلة. كما تسلط الضوء على الأدوار بين الجنسين في المنزل فضلا عن غرامة إجازة الأمومة التي تدفعها الشركات. وتستكشف تأثير الدولة في الحياة العائلية من خلال الفوائد ورعاية الأطفال المدعومة. في نهاية المطاف، يجادل المؤلفون بأن التفكير بجدية بشأن الأبوة والأمومة، والوالدين – خاصة النساء – والأطفال هو لمصلحتنا جميعا. إذا كان الأطفال هم المستقبل، يجب على الحكومات تنفيذ سياسات لمساعدة النساء على المشاركة في الاقتصاد، وأيضا الاستثمار في الأطفال الصغار والحد من جوانب عدم المساواة. بالنسبة إلى ماتياس دويبك وفابريزيو زيليبوتي، فإن الاتجاهات الاقتصادية هي الدوافع الأساسية وراء الطرق المختلفة لتربية الأطفال، من الوالدين المتشددين إلى المتساهلين. في كتاب "الحب والمال والأبوة والأمومة"، يقدم المختصان الاقتصاديان مزجا لحكايات شخصية مستمدة من حياتهما العائلية العالمية كأكاديميين أوروبيين يعملان الآن في الجامعات الأمريكية، فضلا عن البيانات التعليمية والاقتصادية. توصل المؤلفان إلى أن البلدان التي لديها معدل عدم مساواة منخفض، مثل السويد، يغلب على الوالدين فيها أن يكونوا أكثر تساهلا. في البلدان التي لديها معدل عدم مساواة مرتفع، فإن الوالدين "أكثر استبدادية وأكثر عرضة ليغرسوا في أطفالهم الدافع لتحقيق أهداف طموحة". وهذا أمر بارز في الولايات المتحدة، حيث ينتهي الآباء الذين يخشون من تخلف أطفالهم، إلى منحهم جداول زمنية أكثر ازدحاما من كبار التنفيذيين في الشركات. يكتب المؤلفان "يمكن فهم صعود الوالدين المتشددين على أنه استجابة الوالدين العقلانية لبيئة اقتصادية متغيرة". كما يفسر الاقتصاد أيضا طرقا مختلفة داخل البلدان أيضا. يكتب المؤلفان أن "خيارات الأبوة والأمومة للأثرياء تختلف بشكل منهجي عن تلك الخاصة بالفقراء. على سبيل المثال، لاحظ علماء النفس منذ فترة طويلة، أن الأبوة والأمومة الاستبدادية هي أكثر انتشارا في العائلات ذات الدخل المنخفض". كما ينظر المؤلفان أيضا إلى الأدوار بين الجنسين، حيث قالا "إن التمييز الاجتماعي والاقتصادي في أسواق العمل، سيعني أن الآباء والأمهات ستكون لديهم حوافز أضعف للاستثمار في رأس المال البشري لابنتهم، لأن العائد من مثل هذا الاستثمار منخفض". يتم استكشاف التمييز الاجتماعي بشكل كامل في كتابين من تأليف اثنين من علماء الاجتماع، يركزان على التوترات في المنزل والعمل التي تواجهها الأمهات. في كتاب "جعل الأمومة تنجح"، تجادل كاتلين كولينز بأنه ينظر إلى شكاوى التضارب بين العمل والعائلة، على أنها "خطأ النساء ومشكلة عليهن حلها وحدهن". السبب في ذلك هو أن الأمومة، كما تجادل، تعد تافهة وينظر إليها كخيار أسلوب حياة، مثل الحصول على جرو. نحن في غنى عن القول إن الأمر يفهم بشكل خاطئ. كما تشير كولينز، يوفر الأطفال فوائد حاسمة بصفتهم عمالا ودافعي ضرائب في المستقبل. "نحن لا نعتمد على الحيوانات الأليفة لتصبح في يوم ما معلمينا، أو موظفي مكتب البريد، أو أطباء وجامعي قمامة. تربية الأطفال بشكل جيد هي في المصلحة الجماعية للبلد". كما هي الحال في كتاب "الحب، والمال والأبوة والأمومة"، تختلف المواقف بحسب اختلاف البلدان، في هذه الحالة تشكّل من السياسة الاجتماعية والسياسة. هنا، تجري كولينز مقابلات مع 135 أما عاملة في السويد، وألمانيا، وإيطاليا والولايات المتحدة لفهم التأثير المختلف لإنجاب الأطفال في الحياتين المهنية والمنزلية. في الولايات المتحدة، حيث تدرس كولينز في جامعة واشنطن، تكتب أن هناك شعورا "بالشوق، أنه عبر المحيط الأطلسي على الأقل، هناك عالم آخر ممكن". مهمة المؤلفة المحددة هي رؤية ما يمكن تعلمه من السياسات الأوروبية، بدون الاقتناع بصحة الأسطورة التي تقول "إنها وصلت إلى سعادة قصوى" حقيقية للمساواة بين الجنسين. لذلك، هي تحرك الباستا في أواني الطبخ في مطابخ النساء اللواتي أجرت معهن المقابلة، وتلعب مع أولادهن وبناتهن في محاولة لفهم كيفية تأثير التوقعات السياسية والثقافية في حياة الأمهات وتوقعاتهن. السويد، موطن "الآباء الذين يبقون في المنزل لرعاية الأطفال"، هي البلد الذي تجد فيه أن الأمهات "أقل تضاربا وأكثر قناعة". هناك، يستطيع الوالدان الحصول على إجازة مدفوعة لمدة 16 شهرا، مع تخصيص 90 يوما للأب، وهو ما يسمى "حصة الأب". من الناحية العملية، يتم استخدام معظم الإجازة من قِبل النساء إلا أن الربع يستخدمه الرجال. ثم هناك رعاية أطفال ذات جودة بأسعار معقولة، تُشير كولينز إلى أن الحكومة السويدية تنفق على خدمات ما قبل المدرسة أكثر من الدفاع. النتيجة هي أن الأمهات السويديات يتوقعن أن يعملن. تقول إحدى الأمهات، وهي تحتسي الماء المنقوع بالخيار "بالطبع أي أم تعمل، أعني، ماذا ستفعل غير ذلك"؟ كما تتوقع النساء أيضا أن يعتني الآباء بأطفالهم، حيث يتحدثن عن "حق" شركائهم بدلا من "واجب" القيام بذلك. في بلدان أخرى، ضغوط تحقيق التوازن بين العائلة والعمل هي أكثر ضراوة. في إيطاليا، تشعر النساء بالإحباط ليس بسبب عدم التزام الحكومة بدعم الأمهات والأطفال الصغار فحسب، بل أيضا بسبب الآباء الذين يفضلون أن يكونوا أولادا للأمهات بدلا من النضج والمشاركة. إحدى الأمهات تعرض على المؤلفة صورة للعائلة رسمها طفلها تم حذف الوالد منها. وتبين هذه الاختلافات أن الأمومة ليست هوية ثابتة بل تشكلها التوقعات الثقافية والقوى الاجتماعية والاقتصادية. الولايات المتحدة هي البلد الأكثر تعاسة بحسب وصف كولينز، حيث لا توجد سياسة وطنية للعمل والعائلة، أو إجازة أمومة أو إجازة أبوية مدفوعة الأجر. تشتكي الأمهات من الإرهاق، والعودة إلى العمل تماما قبل أن يتمكن طفلهن من النوم أثناء الليل، ومن محن ضخ حليب الثدي في العمل. في نهاية المطاف، هذا الكتاب نداء جامع لتقدير "تقديم الرعاية، فضلا عن الأشخاص الذين يقدمون الرعاية". تشعر كولينز بالإحباط من النفاق. تكتب "لا يعني الكثير كبلد الإشادة بالعائلات باعتبارها أساس الأمة، إذا فشلنا في تعزيز هذه القيم من خلال الدعم المادي والمالي". وتجادل بقولها "تكاليف تربية الأطفال لا يمكن أن تبقى خاصة وأنثوية"، يجب جعل الرجال يقدمون الدعم في المنزل، على الرغم من أن ذلك لا يرقى إلى حد وضع السياسات. مثل كولينز، تركز شاني أورجاد أيضا على النساء من الطبقة المتوسطة. في كتاب "التوجه إلى المنزل"، تركز أورجاد، الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد، على الأمهات اللواتي يبقين في المنزل لرعاية الأطفال، خاصة الأمهات الثريات والمتعلمات المقيمات في لندن اللواتي تركن العمل لرعاية الأطفال، بينما يستمر أزواجهن من ذوي الطموحات الكبيرة في كسب الرواتب. تجد أن قرارهن، بالنسبة إلى كثير من النساء، لترك العمل لم يولد ببساطة من الرغبة في تحضير الكعكات والرسم بالأصابع. كان أكثر تعقيدا بكثير. كان قرارا تم اتخاذه بعد أن وجدن أنفسهن عالقات في المضار الشائكة لثقافات ساعات العمل الطويلة، وافتراضات أزواجهن بأنهن هن من تجب عليهن الاستقالة من العمل. وتجادل بأن هؤلاء النسوة كن "المستفيدات المحظوظات" من التعليم وجني "ثمار الإمكانات الوافرة المتاحة للنساء من جيلهن". على الرغم من ذلك لم يتمكن من النجاح. أعرب كثير منهن عن الحزن، حيث يأملن لو أنهن عبرن عن رغباتهن. قلن لأورجاد "أنا لم أدخل في تلك المحادثة، بشأن ما أريد القيام به، مع نفسي، أو مع زوجي، ومع مكان عملي". تجادل أورجاد بأنه لو أن تلك النساء الثريات يجدن صعوبة في التوفيق بين العمل والعائلة ورعاية الأطفال، عندها فإن النساء اللواتي لديهن أموال أقل سيجدن الكفاح أكثر صعوبة بكثير. عندما يغادرن العمل، تحاول النساء المثقفات الحصول على مكانة في أدوارهن بأن "يصبحن مديرات لعائلاتهن". على عكس أمهاتهن، اللواتي كن مقيدات بالعمل الشاق المحلي في المطبخ، "فقد استفدن من مهارتهن ومعرفتهن الواسعة كمهنيات محترفات موهوبات سابقات في دور جديد". راشيل، محاسبة عليا سابقة تقول، "تحضير صناديق الغداء للأطفال، والتسوق، والغسل، والتطوع للقيام بحسابات المدرسة، والأعمال المنزلية، ثم جلب الأطفال من المدرسة، والواجبات المنزلية، ودروس ما بعد المدرسة، والعشاء، ووقت النوم، وفي "الساعة التاسعة، أنا حرة". تطلب المؤلفة أن تطلق النساء العنان لخيبة أملهن و"المطالبة بتوفير بنية تحتية اجتماعية" لتحقيق المساواة في المنزل والعمل. من السهل الاستهزاء بالأبوة والأمومة المتشددة، أو رفض إحباطات الأمهات الثريات عند بوابات المدرسة. من خلال التحدث إلى النساء ووضع الوالدين داخل سياقاتهما الاجتماعية والاقتصادية، فإن مثل هذه الأفكار النمطية تبدو تماما أقل تفاهة ويمكن أن تكون من النوع الذي نشعر تماما بالانتماء إليه. هناك عديد من التدخلات الممكنة. على سبيل المثال، المناقشات الأخيرة حول الدخل الأساسي، التي تطنطن بها شركات التكنولوجيا العملاقة في سيليكون فالي، تردد صدى عنصر لحركة نسوية كانت تؤيد الأجور مقابل الأعمال المنزلية، التي تبنتها سلمى جيمس في السبعينيات. قبل النظر إلى الوصفات الممكنة، تطالب هذه الكتب بأن تكون الخطوة الأولى هي التساؤل عن القيمة التي نوليها للرعاية. عندها سنبدأ فعليا في رؤية التغيير.

مشاركة :