كانت «القبس» حضناً دافئاً ومنبراً حراً للزميل الراحل أحمد الربعي، كتب فيها زاويته «بالمقلوب»، مؤكداً أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ونشر «الأربعائيات» المفعمة بالأمل والتفاؤل، متقبلاً الرأي الآخر، ومحاوراً متطلعاً إلى ترسيخ الديموقراطية وسيادة القانون التي كان يؤكد أنها «هي الفرق الجوهري بين الجنون الذي لا يرحم، ودفء الوطن الذي يشعرنا بالاطمئنان». و«القبس» تقتطف اليوم كلمات من أربعائيات الربعي في ذكرى رحيله العاشرة، لعلها «تلطف بعض الشوق للغائب الحاضر، وتطفئ بعض الظمأ للكلمة الجميلة والفكرة الشفافة والأدب الرفيع»، كما كتب رئيس التحرير وليد النصف في تقديم كتاب «أربعائيات» الذي أصدرته القبس ووزعته بعد أسبوع من وفاة المفكر الراحل.(القبس) غابة.. ووطن!! يسألني ورطوبة جميلة ترشح من عينيه: هل هذا وطن أم غابة؟ وأصرخ في وجهه: سؤالك مؤلم، والتفكير فيه محزن، الإجابة عليه أكثر ألماً وأكثر حزناً! يسألني: ما الفرق؟.. أقول له ما يفترض أنه الفرق! قانون القوة هو سيد قوانين الغابة، قوة القانون هي سيد قوانين الدولة المتحضرة، وهي الفرق الجوهري بين الجنون الذي لا يرحم، ودفء الوطن الذي يشعرنا بالاطمئنان! قال: ثم ماذا؟ قلت: في الغابة تنتشر المعارك في ساحات من فوضى الدم والقتل، القوي يأكل الضعيف، وكل شيء مستباح. أما في الوطن، فيتعارك الناس في قاعات المحاكم، سلاحهم الحجة والدليل، ولا يملك أحدهم، أمام هيبة القضاء، أن يرفع قامته أكثر من الآخر! شريعة الغابة هي الافتراس، البشر، المال العام، الدولة، كل شيء مستباح، القوي هو سيد الموقف، وفي الدولة المتحضرة القوي هو الضعيف حتى يؤخذ الحق منه، الضعيف هو القوي حتى يؤخذ الحق له، ويعلّق الناس فوق مبانيهم «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»! قال: ثم ماذا؟ قلت له: حدق في وجوه أطفالك لتتذكر مسؤوليتك، وحدق في وجوه العجائز لترى معنى الاطمئنان، وتذكر أن الساكت عن الحق شيطان أخرس!! قال: ثم ماذا؟ قلت: ثم.. لا ثم!! (القبس – 1998/12/9)
مشاركة :