في وطني الحبيب معارك ضارية، واتهامات عارمة بسبب دخول بعض النساء إلى مجلس الشورى، يا ترى كم من الأعراض ستقذف، وكم من الاتهامات ستكال، لو أصبحت امرأة من بلادي رئيسة للمجلس؟ أكتب هذا المقال في جزيرة (سابان) هي الأقصى من جزر أندونيسيا ناحية الغرب، يفصل بينها وبين الهند المحيط، ومنها دخل الإسلام إلى أندونيسيا عن طريق تجارة الحضارم، وأخلاقهم، وتعاملهم الإسلامي، فهي جزيرة فتحت بالأخلاق والمعاملة. وصلنا إلى هذه الجزيرة عن طريق البحر، فالبحر يفصلها عن (آتشيه) وهي التي عانت من أهوال تسونامي المشهورة قبل عشر سنوات. عند وصولنا إلى آتشيه كان في استقبالنا في مطارها عمدتها، وعمدة آتشيه (امرأة)! سأغض الطرف عنها، وسأتحدث عما رأيت منها، فقد رأيت عجباً، كانت قمة في النشاط، وبان على وجهها السعادة وهي ترحب بنا، وتوجه مستقبلينا معهم، ثم وهي تركبنا في سيارتها الرسمية، وتذهب معنا حتى تتأكد من دخولنا الفندق، وتشرف على راحتنا هناك، وقبل ذلك وهي ترافقنا إلى معهد خادم الحرمين الشريفين، التابع لجامعة الإمام، وأسمع مدح مديره لها وحرصها على الخير والنظر إلى المستقبل بعين تفاؤل راضية. حضرت بصفتها الرسمية حفل توزيع مصحف البصيرة، وهو سبب سفري إلى أندونيسيا، فألقت خطاباً، لم أفهمه طبعاً، لكنها كانت تبكي بحرقة، علمت من نبرة صوتها، وطريقة إلقائها أنها تتكلم من قلب لا بلسان! وهكذا قلت للمترجم الشيخ علي جابر، قلت له لم أفهم، ولكني أشعر بالكلمات وصدقها. قال لقد كانت محاضرة، لم تكن خطاباً، تكلمت عن الإسلام، والشريعة، ومحبة الله، ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوب تطبيق شريعتهما، والحرص على دعوة الناس إليها، والعمل بجهد مضن لتثبيته في نفوس الشعب، وكلاماً يدور حول هذا. لقد كانت تتكلم عن واقع تعيشه، وتسعى إليه، فهم في آتشيه يعانون من عدم تطبيق الشريعة، ومحافظها الأخير بدأ بمنع بيع الخمور فور تسلمه السلطة، ويحاول أن يمنع البنوك الربوية كلها من العمل في محافظته ! هذه المرأة وأنا أسمع عنها وأرى فعلها، وأرقب دموعها وهي تتحدث عن الدين، وتعمل بجد لبسط تعاليمه على شعبها في تلك المحافظة البعيدة، أشعرتني بالفرق بيننا وبين شعوب إسلامية كثيرة، من أهمها نظرتنا للمرأة على أنها ذلك المخلوق الذي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، بل هو بحاجة إلى حمايتنا، ورعايتنا، نمسك بحبل ربطناه في رقبته، نظن أنه سيضيع متى أفلتنا ذلك الحبل ! إني أرى امرأة ملتزمة بحجابها، وعفافها، قوية الشخصية، تواجه رجالاً لتنشر دينها، تواجه العلمانيين، والليبراليين في بلادها، بل وتواجه الجهال من شعبها، الذين يظنون أن الشريعة ستحرمهم من متع الحياة الدنيا، ويظنون أنها لا تعني إلا الحدود، وتسعى بجد لإيصال رسالتها إلى عقولهم وواقعهم، وتحتضن فعالياتهم، وتشرف على طلباتهم. في خطابها لم تنس فضل المحسنين، ولا شكر الواهبين، بعد شكر الواهب الأعظم جل في علاه، فدعت للملك عبدالله بالرحمة والمغفرة، وذكرت أنها لا يمكن أن تنسى وقفته العظيمة في كارثة تسونامي. وبالتالي ذكرت فضل وطني الغالي على أندونيسيا، وعلى أمة الإسلام بوجه عام. وكم يسر المرء حين يسمع ثناء على ولي أمره، وعلى وطنه، خاصة وهو يعيش تحت وطأة الغربة، ويعاني لوعة الشوق ! في وطني الحبيب معارك ضارية، واتهامات عارمة بسبب دخول بعض النساء إلى مجلس الشورى، يا ترى كم من الأعراض ستقذف، وكم من الاتهامات ستكال، لو أصبحت امرأة من بلادي رئيسة للمجلس؟ وعما قريب ستدخل المرأة في بلادي المجلس البلدي، فهل ستصدر فتاوى بتدييث من أذن لإحدى محارمه أن تترشح ؟ منذ عقود ونحن نتعارك على قيادة المرأة للسيارة، وما زلنا لم نحسم الأمر بعد، فمستقل من التهم ومستكثر، ومتخيل للمآل، وشارح لظلامه ومصور! ولا أريد الإسهاب في شرح واقع يعلمه الجميع، وإني لمتوقع لبعض الردود بل لأكثرها، لكني أتساءل لماذا تنتج المرأة عندهم، وتقذف عندنا ؟ لماذا يغلب على ظننا أنها تبحث عن فرجة لتهرب من بين أيدينا ؟ ألم نربها تربية حسنة ؟ ألم نزرع في قلبها الإيمان والتقوى ؟ فلم نخاف، وممن نخاف؟ ستقول لي من الذئاب البشرية! أليسوا أبناءنا، وإخواننا، ومن ربيناهم على ما ربينا عليه نساءنا ؟ كيف نكون مجتمعا متديناً، ومجرماً متربصاً في آن ؟ كيف نخرج نساءنا كل يوم من بيوتنا للعمل والتعلم والتسوق مع كل من هب ودب من سائق وبائع، ويشرف على رسالتها في الماجستير والدكتوراه رجال، ثم نخشى عليها من طائش، تركنا له الفرصة ليتطاول، أو ليتجمل، فنحرمها من بعض حقوقها، ونجعلها حلبة نصارع فيها المخالفين، لنثبت وجودنا، وسيطرتنا، والله يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. فأين العدل في قضية المرأة عندنا، لماذا نحملها تبعات صراعنا مع التيارات ولماذا نحملها أخطاء الطائشين، وذنوب الفاسدين، فكل مجتمع فيه صالحون، وفيه غيرهم، فلماذا لا تسن القوانين التي تعين الصالحين، وتقمع المتجاوزين، بدل أن نسد الذرائع ونغلق كل باب فلا المتجاوز كف، ولا الصالح انتفع ! والله تعالى يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى. فالتعاون على البر والتقوى مندوب إليه حتى مع المخالف، فلم لا يكون هناك تشاور وتحاور للخروج بنقاط اتفاق، تكون نواة لإصلاح الخلل، عوضاً عن تراشق النبال الكلامية سباً وشتماً واتهاماً. إني لأرجو أن يبدأ العقلاء من بني الوطن في طرح كل قضايا الخلاف المذهبة للتلاحم، والمنبتة للفرقة، الظالمة لبعض فئات المجتمع فوق طاولة الحوار، والنقاش، الهادئ الرصين، حتى نرى المرأة السعودية على طبيعتها المؤمنة التقية، ومن عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
مشاركة :