تلبية هدف اتفاقية باريس حول تحديد تغيير المناخ العالمي بحد أقصى يبلغ درجتين من الاحتباس لن يكون هدفاً سهلاً. ومع استمرار عدد سكان العالم والطبقة المتوسطة في التوسع بسرعة يتوسع أيضاً طلبنا على الطاقة ومعه كمية الانبعاثات. وبغية القضاء على تغير المناخ في مهده تدعو الحاجة إلى معالجات متعددة. ونحن كمجتمع عالمي يتعين علينا ألا نكتفي بزراعة مزيد من الأشجار وخفض كمية الانبعاثات والتحول نحو الموارد المتجددة بدلاً من الوقود الأحفوري التقليدي بل يتوجب علينا البحث عن طرق للتخلص من بعض الضرر الذي وقع وتنظيف طبقة الأوزون ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. والآن، نشر علماء من جامعة "آر إم آي تي" في ملبورن الأسترالية نتائج دراسات تظهر اختراقاً علمياً يمكن أن يمتص ثاني أكسيد الكربون – الأسوأ بين كل غازات الاحتباس الحراري – من الهواء مباشرة من خلال تحويله إلى كربون صلب عند درجة حرارة الغرف. والأكثر من ذلك أن هذه العملية الثورية كلها تتم بالحد الأدنى من استهلاك الطاقة. وفيما تنطوي هذه التقنية الجديدة على إمكانات ضخمة وتعطي أملاً جديداً لجهود علاج تغير المناخ فإن جعلها تعمل على مستوى كبير سوف يشكل تحدياً في أقل تعبير. حوافز معدنية صلبة واكتشف العلماء عدة حوافز معدنية صلبة خلال السنوات القليلة الماضية لديها إمكانية تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كربون صلب، ولكن التمييز بين هذه الاكتشافات السابقة وهذا الاختراق الأحدث هو أن تلك المحفزات تطلبت درجة حرارة عالية – فوق 600 مئوية – كي تعمل. وإنتاج هذه الأنواع من درجات الحرارة يتضمن الكثير من السلبيات أقلها الطاقة والمال، كما أن لهذه المحفزات السابقة صفات سلبية أخرى أيضاً إذ تصبح أقل قوة مع ازدياد تحول ثاني أكسيد الكربون، الذي تستخدمه إلى كربون صلب ما يجعلها غير مستدامة ويصعب العمل بها. وكانت هذه التحديات على وجه الدقة هي التي دفعت دورنا اسرافيلزاده وتوربن دينيكه وهما من خبراء الكيمياء في جامعة ملبورن إلى تحويل تركيزهما إلى طبقة جديدة من المحفزات المصنوعة من خليط معدني يحافظ على الحالة السائلة عند درجة حرارة الغرفة. ونشرت الصحيفة العلمية "نيتشر كيمستري" نتائج واحدة من مثل تلك المحفزات في عام 2017 وهو مركب يتكون من البلاديوم (عنصر فلزي) النشيط ممتزجاً مع غاليوم سائل. وهذا المحفز لا يعمل مع ثاني أكسيد الكربون لكنه يسمح للبلاديوم بالاستمرار في تحويل الهيدروكربونات المتدنية القيمة إلى قيمة أعلى من دون إبطاء. وتبرز صلة هذا الاختراق عندما يتعلق الأمر بغازات بيوت الدفيئة في أنه ألهم اسرافيلزاده ودينيكه وفريقهما للنظر في إمكانية وجود محفز مماثل يمكن أن يعمل لثاني أكسيد الكربون – وهو اختراق ينطوي على إمكانية مدهشة لمحاربة تغير المناخ. وقام الباحثون الآن بالخطوات الأولى في ذلك الاختراق. ولا يزال البحث في مراحله المبكرة وسوف يتطلب المزيد من التشذيب، لكن فريق العلماء نجح في تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كربون صلب. وتشمل العملية خليطاً من توجيه الطاقة من الغاليوم والانديوم والقصدير السائل عند درجة حرارة الغرف إضافة إلى كمية صغيرة من السيزيوم المحفز والماء. ثم يتم إدخال سلك في المعدن السائل ويسحب ثاني أكسيد الكربون النقي قبل أن ترسل شحنة من الكهرباء عبر السلك إلى الخليط. وعند هذه النقطة ينتشر ثاني أكسيد الكربون في مزيج المعدن السائل ويتم تحويله إلى كربون صلب، مما يعني نجاح المشروع حتى هذه النقطة. وفيما لا تزال هناك حاجة إلى الكثير من البحث والتنقية ويقول فريق جامعة ملبورن إن الآلية الدقيقة من التفاعل ليست واضحة بعد، فإن النتائج تظهر حصيلة مدهشة. وإذا أمكن تحويل ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء قد تكون له مضاعفات تغيير حقيقي للعالم. ويقول عضو الفريق العلمي دينيكه "فيما لا نستطيع فعلاً إعادة الوقت فإن تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى فحم ودفنه ثانية في باطن الأرض هو أشبه باعادة عقارب ساعة الانبعاثات". ● هالي زارمبا (أويل برايس)
مشاركة :