في يوم التقيت من غير ميعاد بإحدى الشخصيات المرموقة في «فريق الحطب»، وتصفحنا شريط الذكريات، وتحدثنا سريعا عن أيام الطفولة والصبا ومرحلة المراهقة، وفي كل لحظة يتأوّه صاحبنا ويعضّ أصابعه من شدة الحسرة والندم على تلك الأيام الجميلة التي كنا فيها كالأهل في تراحمنا ومواساتنا لبعضنا بعضًا، وفي أفراحنا وجلساتنا الحلوة وفي لعبنا ومزاحنا التي لن نستطيع نسيانها، ولن نستطيع حذفها من ذاكرتنا.وتذكرنا بعض رجالات المنطقة البارزين ومجالسهم المشرعة أبوابها، نهارا ومساء ليستقبلوا الوفاد والضيوف من مختلف مناطق البحرين، واستعرضنا عددا من أسماء المدارس الموجودة في منطقتنا، ومن ضمنها مدارس للبنين وأخرى للبنات، فمن مدارس البنين، المدرسة الشرقية والشمالية والرشيد وابن سينا، ومن مدارس البنات، مدرسة فاطمة الزهراء وعائشة أم المؤمنين، والخنساء وزينب، وتساءلنا عن السبب الذي جعل هذه المنطقة تكثر فيها مدارس البنين والبنات، وجميعها كانت تزدحم بالطلبة والطالبات.ونتذكر أن عدد الطلبة في الفصل الواحد في العام 1967 يصل الى 40 طالبا، والآن لا نجد في المنطقة التي تربينا وترعرعنا فيها، ولعبنا في أزقتها وطرقاتها، إلا عددا محدودا جدا من مدارس البنين والبنات، ومدرسة عائشة أم المؤمنين على سبيل المثال التي كانت تموج في نهاية الستينات من عدد الطالبات الكبير، أصبح الآن عدد طالباتها في الفصل الواحد لا يتجاوز 16 طالبة، أرجعنا سبب قلة الطلبة والطالبات في مدارس البنين والبنات المتبقية إلى ترك الكثير لمناطقهم، والسكن في مناطق متعددة، وبعضهم حصلوا على وحدات سكنية بعيدا عن المنامة، وحل مكانهم في بيوتهم الآسيويون والوافدون، وأصبح عدد من بقي من أبناء المنطقة قليلا للغاية، قد لا تصل نسبتهم إلى 2%، بعد أن كانوا يمثلون أكثر من 98% من عدد القاطنين فيها.وفي الآونة الأخيرة سمعنا عن البعض من أبناء فرجان المنامة قد باعوا بيوتهم على أجانب، فهذا الأمر إن استمر سيكون له تداعيات خطيرة في المستقبل المنظور على خريطة المنامة السكانية، لا نبالغ إذا ما قلنا إننا أبناء تلك المناطق نجد أنفسنا إذا تجولنا في طرقاتها وأزقتها «غرباء»، لا أحد يختلف في البلد أن العاصمة المنامة هي الواجهة الأولى للبلد، فلهذا يجب على أبنائها الحفاظ على طابعها التقليدي، بسكانها الذين يعكسون لزوار وسياح البلد عادات وتقاليد وتراث البحرين الأصيل.عندما سألنا احد أبناء المنامة عن سبب بيع البيوت على الاجانب، قال إن الأجنبي يشتري البيوت بأثمانٍ مرتفعة وخيالية، لا يستطيع البحريني مجاراته في الثمن الذي يقدمه، فلهذا نرى أصحاب البيوت في مثل هذا الحال آخر ما يفكرون فيه هو ماضيهم العريق الذي عاش فيه الآباء والأجداد والأمهات، ولم يخطر ببالهم وهم يعرض عليهم ثمن كبير لبيوتهم، أن هذه الخطوة التي يتخذونها قد تؤدي إلى حدوث تداعيات سلبية في المجتمع على كل المستويات؛ الأخلاقية والاجتماعية والسلوكية والتراثية، وعلى مستوى العادات والتقاليد.وتتجلى التحولات الكبيرة في نوعية سكان المنامة في عصر يوم الجمعة، وما نقوله لا يحتاج إلى دليل أو برهان، كل من يريد التعرف إلى الحقيقة يذهب في عصر يوم الجمعة من كل أسبوع، ويتمشى من بداية شارع الشيخ عبدالله إلى نهايته، فينظر بعينه ووجدانه ومشاعره وببصيرته، حال المنامة التي أصبحت تعجّ شوارعها وطرقاتها وأزقتها بآلاف الآسويين، يكاد الواحد منا لا يرى بين المائة شخص أجنبي بحرينيا واحدا يمشي في مختلف شوارع المنامة وطرقاتها وأزقتها.نأمل من الجهات المعنية بسلامة واجهة البلد الحضارية والتقليدية، أن تنظر إلى هذا الحال غير الطبيعية التي تعيشه المنامة، قبل استفحالها وتوسعها إلى حد لا يمكنها تداركه.
مشاركة :