نروي هنا رواية، وقد تكون منقولة عن لسان أصحابها، عن حاكم قبض على زمام الأمور منذ زمن سحيق على بلاده المسماة ببلاد الواق واق، وهي بلد يكاد يكون معزولاً عن جيرانه وبني جلدته، بلد بعيد في أقصى الغرب، حيث تغرب الشمس. هذا الحاكم قام يوماً بزيارة رسمية إلى إحدى أسواق اللحوم، ولأنه مريض مقعد لا يكاد يستوعب ما حوله، فإنه لا يشاهد يتحرّك إلا على كرسي التصق به منذ سنين طويلة، تحف به حاشية من كبار ضباطه وشرطته، دخل هذا الحاكم السوق، فوجدها نظيفة ومنظمة. توقف الحاكم أثناء التجوال به عند جزار شاب ومهندم، وبدأ معه هذا الحديث، قائلاً: لحومك ليست سيئة، كيف حال البيع معك؟ فرد الجزار: في العموم جيد سيدي، فسأله الحاكم: وكم كيلو غراماً من اللحم قد بعت هذا الصباح؟ فرد الجزار: لم أبع شيئاً سيدي، فسأله الحاكم: ولماذا لم تبع شيئاً؟ فرد الجزار، وهو مرتبك: بسبب زيارتك لم يسمح بدخول الناس إلى السوق سيدي، فقال الحاكم مواسياً: إذاً، أنا سأشتري منك، أعطني خمسة كيلو غرامات من هذه الفخذ، فرد الجزار مرتبكاً: لا أستطيع أن أبيعك سيدي، فسأله الحاكم متململاً: لماذا لا تستطيع؟ فرد الجزار: لأنهم قاموا بمصادرة جميع السكاكين من السوق، خوفاً عليك سيدي، فرد الحاكم مغاضباً: تستطيع حتى من دون سكين، أعطني هذه الفخذ كلها، فرد الجزار وهو يرتجف من الرعب: لا أستطيع سيدي، فسأل الحاكم: لماذا؟ لماذا لا تستطيع؟ فرد الجزار: لأني لست الجزار سيدي، فأنا عسكري من القوات الخاصة سيدي، فأمره الحاكم بغضب: أن اذهب ونادِ لي قائدك، فرد الجزار: لا أستطيع سيدي، لأن قائدي يبيع السمك في الجهة المقابلة. نقول: هذه الطرفة ليست بمستبعدة، وقد تكون مرسلة من بلاد الواق نفسها تنفيساً لما يعتمل في صدور شعبها، إنها تحدث على واقع عاشته بعض البلدان التي حكمها الطغاة، سواء في التاريخ الماضي أو المعاصر، حيث شهد القرن العشرون الكثير من الأنظمة الدكتاتورية في العالم. فإذا كان هذا الحاكم لا يثق بشعبه، وإذا كان شعبه لا يطيق رؤيته، فلماذا هذا الالتصاق بكرسيه، الذي لو كانت له روح للفظه؟! طلال عبدالكريم العربtalalalarab@yahoo.com
مشاركة :