عندما تجمعت الشركات العالمية العاملة في تجارة النفط، في مؤتمرها السنوي في سبتمبر الماضي في آسيا، جاءت شركات إنتاج النفط الأميركية وهي في كامل الاستعداد، كما أعدت «إكسون موبيل» ومنافستها «رويال دوتش شل»، كتيبات تفصل لمشتري النفط، الأنواع المختلفة من الخام الأميركي، ومدى استعداده وملاءمته ليحل محل واردات النفط التي ظلت تسيطر عليها لفترة طويلة، دول من روسيا وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. وبانعقاد الأسبوع العالمي للبترول في لندن بين 26 إلى 28 فبراير 2019، يحق لشركات إنتاج الخام الأميركية الاحتفاء بنجاح الحملة التي أطلقتها في أوروبا وآسيا. وقبل سنوات ليست بالبعيدة، وقبل أن تقلب ثورة النفط والغاز الصخري، اقتصادات إنتاج النفط الأميركي، كانت الولايات المتحدة الأميركية تحتل مرتبة أكبر دولة لاستيراد النفط في العالم، فضلاً عن حظرها للشركات تصديره للخارج. وحققت صادرات خام النفط الأميركي لأوروبا، في الوقت الحالي، أرقاماً قياسية جديدة، حيث ناهزت واردات القارة في يناير 2019، 630 ألف برميل يومياً، بيد أنها ما زالت من دون أرقام روسيا والعراق، لكنها متفوقة على منتجين آخرين من أوبك مثل ليبيا ونيجيريا. وما ساعد زيادة معدل صادرات النفط الأميركي انخفاض نسبة الإنتاج في إيران وفنزويلا، اللتين تقعان تحت الحظر الأميركي، ما بعث الخوف في قلوب المشترين من أنحاء مختلفة في العالم. وتضاعف إجمالي صادرات الخام الأميركي لأوروبا في 2018، ليصل إلى 430 ألف برميل يومياً، ما يساوي 6 في المئة من مجموع واردات أوروبا من النفط قبل فرض أميركا الحظر على إيران. وتشكل صادرات أميركا من النفط ضغوطاً قوية على النفط الخفيف، إضافة إلى تأثيره على أسعار الأنواع الأخرى كافة من النفط. ومن المرجح، زيادة مستوى الضغوطات، في الوقت الذي يصل فيه متوسط إنتاج أميركا من الخام خلال العام الجاري 12,06 مليون برميل يومياً، بزيادة قدرها 1,18 مليون برميل يومياً، مقارنة مع العام الماضي، وفقاً لأرقام واردة من الحكومة الأميركية. وتقول التوقعات المستقبلية: «إن من المرجح بلوغ إنتاج أميركا من الخام 15 مليون برميل يومياً، وزيادة بنحو 20 مليون برميل يومياً من إجمالي الوقود السائل، ما يعني الاكتفاء الذاتي التام، حيث يغطي ذلك كامل استهلاكها الذي يتراوح بين 18 إلى 19 مليون برميل في اليوم».ودفع ارتفاع معدلات إنتاج النفط الأميركي الدول الكبيرة من أوبك، ومن خارجها، مثل روسيا، إلى خفض مستوى إنتاجها، بنسبة تراوحت بين 3 إلى 4 في المئة منذ العام قبل الماضي، بغرض إنعاش الأسعار. نجحت هذه الاستراتيجية في مضاعفة الأسعار لنحو 60 دولاراً للبرميل، لكن على حساب فقدان المؤسسات الأميركية لحصصها السوقية. وتحتدم المنافسة، بوجه خاص، في شمال غرب أوروبا، حيث قامت بريطانيا وهولندا باستيراد 6,5 ونحو 5,1 مليون برميل يومياً على التوالي من الخام الأميركي في 2018. وشركات مثل، «بي بي» و«توتال» و«إكسون موبيل» و«ليتاسكو»، كانت من بين المشترين في منطقة بحر البلطيق، ليحل الوارد الأميركي محل الخام القادم من بحر الشمال. في غضون ذلك، تقوم «بي بي»، بتكرير النفط الأميركي في مصفاتها في ألمانيا، بينما أعلنت «بي كي أن أورلين» البولندية، خفض نسبة شراء النفط من «روسنفت» الروسية بنسبة 30 في المئة، وتعويض ذلك بنفط مستورد من أميركا. وفي بريطانيا، تعتبر «أيسار أويل» و«إكسون موبيل»، الشركات الرئيسة في شراء النفط الأميركي. وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط، تعتزم شركات من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، استبدال مزيج «سي بي سي» بحر قزوين الخفيف ونفط جبال الأورال الروسية والنفط الإيراني، باستيراد نفط من أميركا. أما في اليونان، فاتجهت شركة «هيلينك بتروليوم»، لإضافة خام تكساس الخفيف إلى قائمة خياراتها المفضلة من خام النفط، بجانب الحصص التي تقوم بشرائها من روسيا، في الوقت نفسه الذي سارت فيه «توبراس» التركية، على النهج نفسه. وفي الوقت الذي يتحرك فيه العالم لتشديد اللوائح المتعلقة بزيت الوقود «الخليط بين زيت الغاز وزيت الوقود الثقيل»، يزيد الطلب على النفط الخفيف، ما يعني ارتفاع الطلب على النفط الأميركي الذي يتكون معظمه من هذا النوع.
مشاركة :