يصوت البرلمان البريطاني الثلاثاء مرة أخرى على اتفاق بريكست الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع بروكسل، وفي هذه المرة لم تعد هناك أي فرضية ثالثة حيث ستنحصر الخيارات أمام النواب؛ إما الموافقة عليه وإما المخاطرة بالخروج من الاتحاد دون اتفاق في الموعد المحدد بعد أقل من 3 أسابيع. أبرز التحديات التي قد تجد بريطانيا نفسها أمامها تكمن في إمكانية الذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة على ضوء ما ستفرزه نتائج التصويت على اتفاق بريكست، حيث ترجح العديد من المصادر السياسية أن تنحني حكومة تيريزا ماي أمام المطالب المتزايدة بانتخابات مبكرة في حال انفصال المملكة المتحدة عن أوروبا دون اتفاق. ورغم الانشقاقات والتجاذبات في صفوف المحافظين، إلا أن الفوز بالانتخابات القادمة يظل هدفا مشتركا لمختلف التيارات داخل الحزب، إذ يبدو زعيم العمال جيريمي كوربين وحده قادرا على التغيير في ظل غياب قيادة محافظة تعدل الأوتار. ويحتاج أعضاء حزب المحافظين إلى صياغة تمش جديد يتمثل في التجديد القومي بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، حيث سيصوت المحافظون بناء على فكرتين أساسيتين: من هو الأكثر انسجاما مع وجهات نظري ومن سيحافظ على مقعدي الانتخابي. وتميز كل سباق قيادة في حزب المحافظين تقريبا بإسقاط أبرز المرشحين، حيث يعتقد العديد من أعضاء البرلمان أنهم بحاجة إلى وجه جديد، لذلك دخل العديد من المرشحين المؤيدين لبريكست إلى دائرة السباق المزدحمة، التي قد يكون الفارق بين الإقصاء أو التقدم فيها هو هامش من 8 إلى 10 أصوات. وينتظر المحافظون من قائدهم الجديد حلحلة العديد من الملفات العالقة على غرار قطاع الصحة الذي يعتبر أكثر المواضيع إثارة للجدل في المملكة، لكن إدارة ملف بريكست والخروج بأفضل صفقة تبقى أولوية في المرحلة الراهنة. مهما كانت نتائج بريكست سينتهي المستقبل السياسي لتيريزا ماي، حيث يظهر بوريس جونسون الرجل الأقدر على قيادة الحزب خاصة أنه يحمل لواء التجديد القومي ويسعى معارضو بريكست من المحافظين المنقسمين بشدة تجاه بريكست ومآلاته إلى الحفاظ على نوع من المصداقية لدى الناخب البريطاني، في مسعى منهم للتنصل من تداعيات “كارثية” لمولود بريكست الذي يكرهه الجميع. ونفى مكتب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في فبراير الماضي، تقريرا لصحيفة ميل أون صنداي يقول إن مستشاري رئيسة الوزراء يفكرون في تحديد السادس من يونيو لإجراء الانتخابات العامة. وذكر التقرير أن مستشاري ماي يدرسون إجراء الانتخابات في السادس من يونيو في حال سيناريو تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى ما بعد 29 مارس، فيما من غير المقرر إجراء انتخابات جديدة قبل 2022. وكانت ماي قد قالت إن “إجراء انتخابات عامة سيكون أسوأ ما يمكن أن نفعله في الوقت الراهن”، مشددة على أن الانتخابات العامة حاليا ليست في المصلحة الوطنية للبلاد. وأضافت أن “إجراء انتخابات عامة سيعمق الانقسامات عندما نحتاج إلى الوحدة، وسيؤدي إلى الفوضى عندما نحتاج إلى اليقين”. ويعكس نفي ماي للتقارير الإعلامية عن وجود انتخابات عامة في يونيو المقبل حجم المخاوف التي يعيشها المحافظون والتي ستؤدي حتما إذا غامروا بإجراء انتخابات إلى خسارة جزء كبير من شعبيتهم على الأقل، فحتى غريمهم حزب العمال ليس في أفضل حالاته. وأدخلت استقالة 7 قيادات في حزب العمال البلبلة في صفوف الحزب الذي أعلن في ديسمبر 2018 استعداده لخوض الانتخابات العامة مع اتخاذ بريكست زخما متزايدا. ويعول الحزب على تبني خصومه تصوراته بشأن أفضل اتفاق لبريكست ليظهر في ثوب المنقذ ويحقق نقاطا ضد خصومه تساعده انتخابيا، إذا تمكن من إجبار الحكومة على المضي قدما في سيناريو انتخابات مبكرة، إلا أن الحزب يشهد انشقاقات مرجحة للتنامي بسبب موقف كوربين من معاداة السامية ومحرقة الهولوكوست. وعلى الرغم من إدانته المتأخرة نسبيا للهولوكوست، لم يستطع القائد العمالي النأي بحزبه عن الانشقاقات وهو الذي أعلن أنه يستعد لخوض انتخابات مبكرة في بريطانيا قد تدفع به إلى سدة الحكم. وتتوقف الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة بشكل أساسي على نتائج اتفاق بريكست، حيث يتوقع مراقبون أن تذعن الحكومة البريطانية لدعوات انتخابات مبكرة في حال انفصال المملكة المتحدة عن أوروبا دون اتفاق وهو السيناريو الأسوء على الإطلاق. أما بالنسبة للمجموعة المستقلة داخل حزب العمال، فقد لخصت إيزابيل هاردمان الأسئلة الرئيسية وأهمها: من هو زعيمكم وعما تدافعون؟ دون جواب واضح على هذه النقاط الأساسية، سيواجه المنشقون صعوبة في جذب أي شخص لم يقرر الابتعاد عن حزبه بعد. التنصل من تداعيات "كارثية" لمولود بريكست التنصل من تداعيات "كارثية" لمولود بريكست وفي حالة حدوث هذا السيناريو، لن يفعل المظلومون الكثير، رغم جدية أسباب شكواهم، ولن تزدهر قضيتهم. وإذا ما أرادوا أن يخلقوا حزبا سياسيا كاملا أو حتى كتلة برلمانية وسطية، سيحتاج المنشقون إلى قائد كبير بأفكار قوية، ولا يمتلكون أيا من هذا. كما ستحتاج هذه الكتلة المستقلة إلى البعض من مؤيدي بريكست، إذ ستخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وإذا بقي المستقلون مجرد مجموعة معارضة لبريكست، فسوف يتلاشون بعد اكتماله. وكان كوربين معروفا لدى الجميع، وكانت وجهات نظره ومحيطه من المسائل المسجلة. ومع ذلك، انتخبه أعضاء حزب العمال زعيما لهم، ولم يفرض أحد قيادته عليهم. طالبوا به مرتين حتى الآن. ويخبر المعتدلون أنفسهم بأنهم يحرسون شعلة العمال في الأيام المظلمة، لكن، لا تعتبر هذه الأيام أيام حزب العمال المظلمة، بل يزأر لهيب الشعلة العمالية بالحياة، إذ لم يكن العمال أكبر أو أكثر جرأة مما هم عليه اليوم. وترشد هذه الشعلة الجديدة الحزب الآن. وعندما يرى اليهود البريطانيون انتخاب حكومة عمالية ككارثة، عليهم في يوم ما أن يشرحوا لأطفالهم تلاشي نواب البرلمان من الإعتبار. لا يكمن الحل في “حوار” أو “إعادة تدريب” أو زيارات إلى الكنيس المحلي لسماع مشقة قضية المواجهة. لن يتم العثور على الإجابة في قرارات المؤتمر المترهلة، أو عبر الشكوى على وسائل التواصل الاجتماعي. وبتفادي سيناريو الانتخابات المبكرة تبدو حظوظ المحافظين أوفر للفوز بالانتخابات القادمة سنة 2022 حيث ستكون شعلة انعكاسات بريكست قد بدأت في التلاشي وفقدت زخمها. ويتوقع مراقبون أن يقدّم المحافظون مرشحا “ثوريا” لقيادتهم في الانتخابات القادمة لعله يكون وزير الخارجية السابق بوريس جونسون الذي تنصل مبكرا من بريكست بعد أن شارك في إنجابه. ومهما كانت نتائج بريكست سينتهي معها المستقبل السياسي لرئيسة الوزراء تيريزا ماي، حيث يظهر جونسون الرجل الأقدر على قيادة الحزب في المرحلة القادمة خاصة وأنه يحمل “لواء التجديد القومي” وهو ما يحتاجه عدد كبير من البريطانيين لتضميد جراح خيبة الانفصال عن أوروبا. وإذا سارت الأمور على ما يرام دون حدوث مفاجأة الدعوة إلى انتخابات مبكرة، يتوقع مراقبون أن يفوز المحافظون بالاستحقاق الانتخابي سنة 2022 مع تدني شعبيتهم ما يدفعهم إلى تشكيل حكومة أقلية هشة. وفي صورة تنظيم انتخابات مبكرة، فإن حظوظ المحافظين في كسبها تظل قائمة، إذ أن الغريم التقليدي لا يبدو في أحسن أحواله، لكن مع ذلك تبقى حظوظ حزب العمال وافرة للفوز بالانتخابات المبكرة من الانتخابات المقررة في 2022 خاصة وأن “لهيب” بريكست مستعر.
مشاركة :