ماليزيا تضيق الخناق على تنظيم الإخوان

  • 3/11/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يمثّل قيام السلطات الماليزية بالقبض على سبعة عرب (5 من مصر وتونسي) بعد اتهامهم بالانتماء إلى تنظيمات متطرّفة، نقطة تحوّل واضحة، خاصة أن عملية القبض اصطحبت معها إعلانا عن ترحيلهم إلى بلدانهم ومحاكمتهم هناك، طبقا لقانون أو تشريع “سوسما”، الذي يعطي الحق في ترحيل من يشتبه بهم من الأجانب المقيمين في البلاد، إذا مسّ ذلك اعتبارات أمنية. وقال محمد فوزي هارون المفتش العام للشرطة في ماليزيا، في بيان الأحد، إن من بين المشتبه بهم خمسة أشخاص قيل إنهم اعترفوا بأنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، موضحا أن المواطن التونسي وأحد المصريين المبعدين من أعضاء جماعة أنصار الشريعة التونسية التي أدرجتها الأمم المتحدة كجماعة إرهابية. وسبق لهذين الشخصين، وهما في العشرينات من العمر، أن اعتقلا لمحاولتهما دخول البلاد بشكل غير قانوني عام 2016، واستخدما جوازي سفر مزورين لدخول ماليزيا بنية السفر إلى بلد ثالث وشن هجوم هناك، كما يُشتبه بأن أعضاء هذه المجموعة الإرهابية شاركوا في خطط لشن هجمات واسعة النطاق في دول أخرى. وأبدت كولالمبور صرامة ملحوظة في التعامل مع ملف الجهاديين مؤخرا، كي لا يُشاع عن البلاد التي فرّ إليها المئات من عناصر جماعة الإخوان، وتحتضن عديد من خلايا القاعدة أنها ستكون الملاذ البديل للجهاديين، الذي يبحثون عن إعادة تموقع إثر هزائمهم المتتالية في الشرق الأوسط. وأوضح إسلام المنسي، الخبير في الشؤون الآسيوية لـ”العرب” أن ماليزيا لا ترغب في أن تصنف كدولة راعية أو داعمة للإرهاب، والشباب المقبوض عليهم يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة، أوقفوا عن طريق سلطات مكافحة الإرهاب في ماليزيا وليس عن طريق موظفي الإقامة والهجرة، على خلفية ارتكاب مخالفات. ماليزيا.. بقعة بديلة للإرهاب يرى مراقبون أن تنظيم القاعدة يريد تحويل ماليزيا إلى مركز إقامة دائم ومعبر لغيرها من دول المنطقة ومعقل للسيطرة تدار من خلاله أنشطة التنظيم في جنوب شرق آسيا، وقد أطلق قادة القاعدة على ماليزيا دون غيرها وصف “دار الأمان”، ما يعكس الحرص على أن تكون ساحة إقامتهم الأكثر أمنًا. وتعامل الجهاديون مع ماليزيا بوصفها “ملاذًا وميدانًا لتنمية النفوذ ومضاعفة القدرات”، ولذلك تجنّبوا عدم استهدافها مباشرة بعمليات إرهابية، وشدّدوا على ألاّ تكون مدنها “ميدان المعركة الجهادية”، بغرض الاستفادة من مزاياها المتعددة، ولإدراكهم أبعاد تنفيذ عمليات هناك بالنظر إلى صرامة الأجهزة الأمنية، وتشدد القوانين المعمول بها في مجال مكافحة الإرهاب. وباتت دول شرق آسيا المسلمة أمام تحديات صعبة مع ظهور دلالات ترجّح أن تكون هي البقعة البديلة للإرهاب، سواء لداعش المنهزم في سوريا أو القاعدة الذي يريد استعادة هيبته الغائبة أو الإخوان المشتتين بين بقاع متعددة بالعالم. وحذّر تقرير بحثي صدر مؤخرا عن منظمة نهضة الأمة الإندونيسية من الخطر المتصاعد، بعد تشعّب الخلايا النائمة لجماعات متشددة في بعض جزر إندونيسيا وتم رصد حراك غير سلمي خلال السنة الماضية. وأضحى تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات المتشددة تبحث في ماليزيا عن موقعًا إستراتيجيًا هامًا لتحقيق حلم النفوذ الأسيوي، فهي محور للنقل البحري والجوي وجسر للعبور إلى الولايات المتحدة، وأسهل الطرق للوصول إلى الفلبين وأستراليا، ومنها يسهل إدارة نشاطها ومراقبته داخل تايلاند الجنوبية والفلبين الجنوبية وسنغافورة، علاوة على كونها وجهة لسياح الشرق الأوسط الذين يزورونها بمعدل سنوي ارتفع لنحو نصف مليون شخص، بما يخفف من وطأة الإجراءات الأمنية، ويمنح قادة وعناصر التنظيم حرية في الحركة. القاعدة واستعادة النفوذ التواجد الإخواني مفيد للقاعدة لدعمها في استرجاع سيطرتها على آسيا التواجد الإخواني مفيد للقاعدة لدعمها في استرجاع سيطرتها على آسيا يستهدف تنظيم القاعدة المراكز الرئيسية التي صنعت قوته أثناء صعوده الأول ويريد استغلال انهيار وتراجع تنظيم داعش لاستعادة مكاسبه السابقة، ويدرك قادته أنه دون استعادة حضوره ونشاطه في مركزه التاريخي الآمن في كوالالمبور، لن تتاح له فرص إدارة نشاطه حول العالم بنفس الحيوية والوفرة المادية والبشرية التي أتيحت له في تسعينات القرن الماضي. تمكّن تنظيم القاعدة أثناء صعوده الأول من الربط بين أنشطة قادته ومقاتليه بين أفغانستان والفلبين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وأستراليا، وهو ما مكّن التنظيم من توفير معسكرات تدريب لإعداد المقاتلين، وتحويل مناطق شرق آسيا لمراكز جهادية بديلة لمناطق الشرق الأوسط، مستفيدا من سخاء إنفاق مسلمي ماليزيا في ما يظنونه أبوابا للبر والخير، ومن عوائد استثمارات رجال أعمال مقرّبين من التنظيم. وأشار المنسي إلى أن “الأجهزة الأمنية المحلية وأجهزة استخبارات دول جنوب شرق آسيا وبعض مخابرات الدول الغربية تدرك أن ما أوصل القاعدة لبلوغ العالمية، ومكّنها من امتلاك القدرة على تهديد بعض الدول النجاح هو خلق حضور قوي بدول جنوب شرق آسيا”. وتم تنفيذ غالبية العمليات النوعية الكبيرة التي صنعت شهرة القاعدة في تسعينات القرن الماضي، في مقدمتها عملية تفجير مبنى التجارة العالمي بنيويورك في العام 1993، عن طريق التخطيط والإعداد والإشراف عليها عبر شبكة يديرها القائم بأعمال التنظيم في جنوب شرق آسيا وقتها رمزي أحمد يوسف، ويتركّز نشاطها بين الفلبين وماليزيا وإندونيسيا. ويسعى تنظيم القاعدة إلى استغلال طبيعة المرحلة الحالية من جهة انهيار داعش في الشرق الأوسط ودخول طالبان أفغانستان في مفاوضات سلام لاستقطاب العناصر المنشقة، معتمدا على خبرته القديمة في الاستقطاب والتجنيد، ومستفيدا من أوضاع منطقة جنوب شرق آسيا التي يسكنها أكثريات مسلمة، حيث تعاني بعض الأقليات المسلمة من مشاكل ومظالم خاصة في المناطق الجنوبية في الفلبين وتايلاند. في المقابل تُظهر الحكومة الماليزية موقفا حازما لحرمان تنظيم القاعدة من إعادة ترتيب أوراقه وتأسيس نفوذه الثاني، معتمدة على صرامة وقوة قانون الأمن الداخلي المناهض للأنشطة الإرهابية والمعدل في العام 2012، وباتت تتحفظ على أي نشاط ملحوظ للإخوان على أراضيها. ويتيح القانون استباق وقوع عمليات إرهابية بالقبض على المشتبه بهم ويجيز احتجاز أشخاص يشتبه في احتمال قيامهم بما يضر المصلحة الوطنية، ويهدّد الأمن القومي والاستقرار العام كما هو وارد في مادّته الثانية، كما يمنح في مادته 49 الجهاز الأمني الحق في التفتيش والملاحقة الأمنية دون مذكرة وتفتيش الحسابات المصرفية والمنازل ومحال الإقامة والعمل. ويتوزّع الحضور في دول جنوب شرق آسيا بين ثلاثة تنظيمات رئيسية، وهي: جماعة الإخوان والقاعدة وداعش، ما يمثّل إرباكا لخطط القاعدة نظرا إلى تضارب المصالح والأهداف مع التنظيمين الآخرين. دول شرق آسيا أمام تحديات صعبة مع ظهور دلالات ترجح أن تكون هي البقعة البديلة للإرهاب، سواء لداعش المنهزم في سوريا أو القاعدة الذي يريد استعادة هيبته الغائبة أو الإخوان المشتتين بين بقاع متعددة بالعالم ويشكّل داعش خلايا صغيرة لتجهيز خطط لبعض التفجيرات داخل حدود ماليزيا وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، وهدف التنظيم هو إحياء الجهاد القتالي ويعني طرد الكفار عن بلاد المسلمين، وإقامة خلافة تصبح بمثابة البديل عن التي سقطت بالمنطقة العربية، الأمر الذي يختلف مع برامج القاعدة الذي يعترض على استهداف دور العبادة المسيحية بوصفها أعمالا محرّمة شرعا، علاوة على أن القاعدة يريد تحييد هذه البلاد من الاستهداف المباشر، ويعتبر نفسه قابلا للاندماج لضمان استمرارية إقامته لتحقيق أهداف بعيدة المدى. ويبدو من الصعب أيضا التقاء مصالح القاعدة والإخوان في ماليزيا، رغم التقارب والتفاهم بينهما، نظرًا إلى تأثر أوضاع جماعة الإخوان بأزمتها في مصر والشرق الأوسط وفقدانها ما كانت تتمتّع به في السابق من حرية تحرك وبناء علاقات مع من ترغب من شخصيات وكيانات، وتحرص حاليا على الظهور في ماليزيا منفصلة عن النشاط العنيف ومستقلة عن القاعدة وغيرها من التنظيمات لضمان توفير الحماية لأعضائها وعدم انقلاب الأجهزة الأمنية عليهم. ويرى المنسي أنه على الرغم من ضعف الجماعة، لكن يمكن أن يكون التواجد الإخواني مفيدا للقاعدة في حالة أصبح الهاربون التابعون للإخوان بيئة رخوة للتجنيد والاستقطاب. ويتخوّف قادة في جماعة الإخوان بماليزيا من فقدان ثقة الحكومة والأجهزة الأمنية، ما يؤدي لمساواتها في المعاملة بالكيانات الجهادية، وأظهروا مؤخرا تعاونا مع السلطات في حال تواصل أفراد أو خلايا جهادية وافدة معهم طلبًا للحماية. تبعا لذلك فان تخطيط القاعدة، لعودة قوية في ماليزيا واستعادة نشاطه مع كيانات محليّة وفّرت الملاذ والحماية لأعضائه الوافدين، كما كان في تسعينات القرن الماضي، تواجهه تحديات أهمها المنافسة مع تنظيم داعش الذي تتناقض الكثير من برامجه وأهدافه مع القاعدة، علاوة على تصميم الحكومة الماليزية وأجهزة أمنها على حرمان التنظيم من فرص للعودة عبر التنفيذ الصارم لقوانين مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.

مشاركة :