صدق المولى عز وجل عندما وصف الإنسان بأنه كان (ظلوما جهولا). وليس هناك بشر على وجه الأرض في هذه الأيام أكثر ظلما وجهلا بأنفسهم أكثر من العرب والمسلمين، وأطال الله بعمر فيروز عندما غنت بصوتها (الألماسي) وصدحت قائلة: القمر بيضوي ع الناس، والناس بيتآتلوا ــ أي بيتقاتلوا ــ. ولكي لا أكون متجنيا أكثر من اللازم، هناك شعوب كثيرة عبر التاريخ تقاتلت، ولازال بعضها يتقاتل، ولكن ليس هناك قتال أغبى من قتال العرب أو المسلمين بين بعضهم بعضا، إنه للأسف فوق أنه غبي فهو أيضا رخيص ووضيع ــ واعذروني على هذه الكلمة الأخيرة ــ حيث إنني لم أجد هناك كلمة صادقة أبلغ منها. وها هي أوروبا خاضت في نصف القرن الماضي حربين عالميتين، سقط فيهما ما لايقل عن مائة مليون قتيل، وضعفهم الجرحى، وثلاثة أضعافهم المشردون، وبعدها عادوا تقريبا لعقولهم، وبدأوا يبنون من جديد ما دمرته الحروب. واليوم مرت مائة سنة على انتهاء الحرب العالمية الأولى، وها هم كل من عاشوا في اتونها قد ماتوا، ولو أن جميع الأضداد المتحاربين وقتها انتظروا قليلا لماتوا دون إطلاق حتى رصاصة واحدة. أنا مشكلتي أو عذابي ليس هم الآخرون، ولكنهم أهل بيتي من العرب والمسلمين الذين ليس على قلوبهم وأبصارهم غشاوة فقط، ولكن عليها أيضا (زرنيخ وقطران). أعلم يقينا أنني لن أهديهم أو أصلحهم بجرة قلم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ففي داخلي من الأمراض (المتلتلة) التي ورثتها ما تنوء بها الجبال، ولكن لا بد من أن أعـبر عـما يجيـش بأعـماقي حتى لو بالصراخ كأي مجنون فقد عقله ــ وهذا من وجهة نظري هو أضعف الإيمان ــ. وهانت علي مصيبتي عندما قرأت في إحدى الجرائد المصرية هذا الخبر الذي له دلالة، وجاء فيه: قامت معركة عنيفة بين فريقين من الأهالي في حي (شبرا) استعملت فيها العصي الغليظة وسقط فيها كثيرون من الجرحى وانتقلت إليها قوة كبيرة من البوليس فاستطاعت أن تفض المعركة بعد جهد. ومن التحقيق ظهـر أن أحد الأشخاص يقتني ديكا روميا، وأن الديك اعتاد أن ينقر الصغار من أبناء الجيران، فلما تقدموا بالشكوى إليه ثار في وجههم وأفحش لهم في القول، فقامت المعركة بعد أن احتشد لها جميع الاقارب والمعارف بعصيهم الغليظة. وفتش البوليس منازل المتعاركين وعثر على بعض العصي الملوثة بالدماء، ونقل الجرحى إلى المستشفى، وقبض على المعتدين، ولايزال الديك مطلق السراح لم يصب بسوء ــ انتهى الخبر. الله يستر على أهالي (شبرا) بموقعة أو غزوة (الديك الرومي)، والله يحللهم عن الذين يحرقـون الناس بالنار وهم أحـياء في أقفاص من الحديد، أو يذبحونهـم ــ على (القبلة) ويسمـون عليهـم قائلين (الله أكبر)، مثلما تذبح الخراف في المجازر ــ. فمن أي صخر قدت قلوب هؤلاء الأوباش، الذين لا يحللون ولا يحرمون ؟!. أما آن لهذا الليل أن ينجلي ؟!.
مشاركة :