مخاتلة («المرور».. حتى لا تضيع الهيبة!)

  • 3/2/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

حين بدأ تطبيق الإشارات المرورية في الرياض فوجئ أحد كبار الأعيان بتوقف ابنه الذي يقود السيارة في منتصف الشارع، فاستغرب وسأله: لماذا توقفت؟ فشرح له الابن عن الإشارة وأنه يجب التوقف عندما تكون حمراء. قال الرجل الحكيم: «هذي والله الحكومة اللي طوال الشوارب توقفهم لمبة»! كان مجرد اقتراب سيارة مرور أو رؤية جندي واقفاً يثير الخوف ويحث المخالفين على الالتزام، اليوم تنتشر كاميرات «ساهر» والمرور السري والدوريات عند الإشارات، إلا أن الهيبة سقطت ولم يعد الناس يهتمون إن ظهرت الدوريات أو غابت، بل إن بعضهم يقطع الإشارة أمام رجال المرور متجاهلاً وجودهم، فلا حق لهم عنده سوى غرامة «ساهر» وسيدفعها. تخلخلت هيبة المرور كثيراً خلال الأعوام الماضية في مفارقة لافتة، حتى إن إحصاء مرورياً في العام الماضي كشف عن أن أكثر من 4 آلاف قطعوا الإشارات في مدينة الرياض خلال أسبوع واحد. هؤلاء المتمردون يلتزمون الأدب في دول الخليج الأخرى ويحترمون محددات السعر، لأن العقوبات الصارمة تفرض سطوتها وتكون مظهراً للهيبة. وعلى رغم أن تشغيل كاميرات «ساهر» كان منذ 2010 فإن وفيات الحوادث ارتفعت من نحو 6 آلاف عام 2009 إلى 7661 في 2013، نتيجة الاستهتار واختراق الأنظمة، فلماذا غابت هيبة المرور بعد أن كانت طاغية حتى إن الإشارة كانت لها قوتها وإن خلا الشارع وغاب المرور؟ عقوبة السرعة واحدة سواء أتجاوزت الحد ببعض كيلومترات أم بلغت السرعة القصوى، فإذا كان الشاب يدفع غرامة ثابتة فليستمتع بالسرعة الكاملة، بينما لو كانت تصاعدية حتى تبلغ الآلاف ومصادرة السيارة في حال السرعة الخطرة لبقيت الهيبة مسيطرة، فهذا الخلل هو الذي رفع عدد الوفيات إلى 21 يومياً. من ناحية أخرى استكان المرور بعد «ساهر» وكأن الكاميرا حلت مكانه وتسلمت سلطاته، فلم تعد المخالفات تستفز الجندي الواقف، لأن الثمن مدفوع من دون حاجة إلى الملاحقة، ثم غابت نقاط التفتيش وأصبح مرور سيارات المرور لا يختلف عن مشاهدة تلاعب سيارات الليموزين التي أصبحت الفارس الأبرز في الاستخفاف بالأنظمة. قطع الإشارات، وعكس السير، والصعود على الأرصفة للهرب من الازدحام، والسرعة، والاستخفاف بالشوارع أحادية الاتجاه، وغيرها، كلها مظاهر ضياع الهيبة التي يمكن مشاهدتها في كل مكان، بما في ذلك الأماكن المهمة. المرور ليس مجرد مخالفات، بل هو توعية باستخدام الطريق والحرص على حيوات عابريه، وفرض احترام العلامات المرورية كل وقت وحين ليكون السائق شديد الأدب في دبي أو البحرين يمارس الأدب ذاته في الرياض، فهو لم يفعل ذلك انضباطاً وإنما بسبب الخوف والخشية. فلا بد أن يعيد المرور حساباته ويشدد عقوباته ويفرض حضوره، فإذا شاهد السائق سيارته انتفض خوفاً حتى تبتعد عنه، وإن لم يغلظ العقوبات ويطبقها بصرامة فستظل الشوارع مجالاً لكل الانتهاكات وسجلاً مفتوحاً للوفيات والإعاقات وعلامة خطر مستمر. إن الخطر الأساس هو جرأة صغار السن على قوانين المرور، وإذا استمرت الحال فإنهم مستقبلاً لن يحترموا أي نظام ولن يراعوا أية سلطة، فالسلسلة واحدة متصلة يفضي بعضها إلى بعضها الآخر، وإن لم يعتادوا النظام مبكراً تعودوا على الفوضى كثيراً. رجاءً، أعيدوا هيبة «اللمبة» فهي من هيبة الحكومة.

مشاركة :