رئاسة النيابي تنادي بتطوير منهج المواطنة في مدارس المملكة

  • 3/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المواطنة بالمعنى الدقيق هي ثنائية المواطن والوطن، فلا وطن دون مواطن حريص على الذود عن حياض الأرض التي يزرعها ويأكل من ثمارها، ويحقق مجمل أمنه فيها، الأمن الطبيعي والأمن الروحي، أمن المادة وأمن الكرامة، ولا قيمة لإنسان دون وطن.. المواطن حقيقة إنسانية في طبيعته بين الشعوب والأمم، والوطن حقيقة جغرافية في موضعه ومكانته الاعتبارية بين الدول، المواطنة المتولدة من الأرض والانسان، ليست شعاراً في فراغات المعنى، بل هي حقيقة حية تنبض بأنفاس الروح وتبعث على الحياة وحب البقاء، البقاء المتطور المستدام.. ومن أهم دواعي التركيز على موضوع المواطنة وأهمية زرعه في أذهان النشء هو الإرث الشعبي المثقل بهويات جانبية تَحجب الرؤية عن الهوية الأساسية الجامعة المشتركة وهي المواطنة، فنحن إرث من العشائرية والقبلية والدينية والمذهبية والطائفية ومزيج عرقي بجانب الغالبية العربية، وحتى العائلية الأكثر انغلاقاً في الذاتية المنعزلة والعازلة... فهذه هويات قد زرعت في الذهن وعمقت في النفس أولويات في الانتماء تضر بالروح الوطنية، فهناك من يفتخر ويتفاخر بالقول إنه سني /‏‏ شيعي أولاً ومسلم ثانياً وعربي ثالثاً وبحريني رابعاً (الوطن والمواطنة يأتيان في الدرجة الرابعة ـ أي «طوير الزم»)، وهذا قول لم ينطق به من هو في المرتبة الدنيا من الوعي والتعليم، بل الناطق به متعلم ضليع بشؤون الوطن والمواطنين وله دور في نشاط سياسي واجتماعي، بل أنه قد بلغ من العمر ثمرة نضجه، وثمرة التجربة الحياتبة بكمها وبنوعها... وهذا هو التشرذم في أقصى وأقسى أبعاده وبعده عن روح المواطنة... وأكثر الهويات حساسية وتأثيراً في الاتجاه المعاكس للمواطنة هي تلك التي تتمحور حول التمذهب الطائفي، أو الطائفية المذهبية، وهي في الأساس تنبعث من جذور قبلية وليس فقهية. إن روح المواطنة التي تعاني من تلاطم الهويات، وتقاسي من نزعات الإقصاء والتغييب، تحدث في نفس المواطن، الذي يقدر الوطن حق قدره، جروحاً عميقة تتخطى عرف الألم، ولا سبيل لهذا المواطن الذي ينبض قلبه بروح المواطنة، وهو مع الأسف العميق من بين القلة، إلاّ أن يُسْمِعَ صوت الحق لمن هم في وادي الهويات يتنازعون وهم في غفلة عما يفعلون من جرم بحق الوطن وحق أنفسهم. ومن الأصوات المنادية باحترام الوطن وتقديره عبر استنهاض روح المواطنة، صوتٌ خرج منادياً من رئاسة مجلس النواب، فقد تقدمت السيدة الفاضلة فوزية بنت عبدالله زينل رئيس مجلس النواب باقتراح برغبة بشأن تطوير منهج المواطنة المقرر في مدارس مملكة البحرين، وقد جاء الاقتراح تزامناً مع ذكرى ميثاق العمل الوطني الذي حظي بإجماع شعبي بحصيلة 98.4%. ولقد وضعت السيدة الفاضلة فوزية زينل رئيس مجلس النواب الاقتراح في إطار يراعي ويتناغم مع «طبيعة المجتمع البحريني، ومعتقداته الدينية، وتقاليده الاجتماعية، ومتطلباته التنموية، وبما يحافظ على الهوية الوطنية البحرينية»، طبيعي أن يكون لكل مجتمع خصوصيته وبالنتيجة طبيعته، وبعرف التطور والارتقاء، مسيرته التقدمية التي تنقل تقليداً اجتماعياً سائداً إلى تقليد اجتماعي متلون بعصره، من خلال تفاعلات جدلية لها عناصرها الكيميائية و هي الماضي والحاضر والمستقبل، أما الجانب الديني فقد جاء الاقتراح في صيغة «معتقداته الدينية»، أي الدين في تعدده وليس في مفرده، وهذا هو حال جميع المجتمعات المعاصرة التي تتلون بأديان ومعتقدات وفلسفات متعددة حيث السماحة والقبول المتبادل هي الجامع الوطني بينها والضامن لأمن الوطن وسلامته، ولم يغفل الاقتراح عن حال المعاش والسعي إلى الارتقاء بالمجتمع إلى مرتبة الرفاهية (الاقتصاد الحي والسليم) عندما تطرق إلى «متطلباته التنموية»، طبعاً فليس ديمومة لأمة ولا لشعب ولا لكيان ولا لدولة دون حيوية التنمية (بيولوجية النشوء والتوالد والتوالي في الارتقاء)، وطبيعي أنه متى اجتهد وجاهد اجتهاداً سلمياً حضارياً، من أجل رفع مرتبة المواطنة من الدرك الأسفل (المرتبة الرابعة) إلى موضعها الطبيعي الأعلى، فإن الهوية الوطنية تكون محفوظة في النفوس ومُكَرَّمَةً في العقول. هذا النداء (الاقتراح برغبة) لا شك أنه يتميز بطبيعة لا خلاف عليه ولا اختلاف حول مقاصده، فالنداء واضح وضوح الشمس، ومن المؤكد، طبيعياً ووطنياً وفكرياً، أنه سيحضى على التصديق والموافقة بالإجماع في المجلسين، النيابي والشوري، فالموضوع لا تشوبه أية شائبة خلافية ولا أية ثغرة من فجوات الحساسية، فالنداء كامل الكمال في ذاته، وهذا أمرٌ من الأمور النوادر في جميع البرلمانات لأن الإجماع عليه يرتقي الى رتبة القدسية. نداء مبارك، و يباركه الوطن في كله الوطني، ورئاسة المجلس النيابي تستحق كل التقدير لهذا الاقتراح الوطني وهي في بداية دورتها البرلمانية، والوطن والمواطن في انتظار المزيد من هكذا اقتراحات تصب في خدمة الوطن وأمنه وسلامة كيانه، ونحن على يقين بأن الخطوة الجادة التالية بعد التصديق على الاقتراح و تبنيه هي تشكيل لجنة عمل متخصصة في شؤون التربية والتعليم وبدعم من تخصصات أخرى في مجال علم النفس وعلم الاجتماع لتنفيذ المقترح، إن اقتراحاً بهذه الأهمية في حاجة إلى دراسة جادة مستفيضة، دون عجلة و لا تشرذم مسبق في الفكر وفي الرؤية، بل من منطلق فكري مشترك محوره الوطن بذات ذاته، ورؤية واحدة هي الارتقاء بالمواطنة فوق كل اعتبار وفوق كل هوية من الهويات المتعددة والمتشرذمة...

مشاركة :