عكس تداول خبر استقالة ضابط كبير بالجيش العراقي، الاثنين، حالة البلبلة الأمنية التي تشهدها مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى بشمال العراق، بعد مضي قرابة العشرين شهرا على استعادتها من تنظيم داعش وهي فترة لم تشهد خلالها ما يشجّع أهاليها الذين غادروها فرارا من التنظيم ومن الحرب ضدّه على العودة إليها والاستقرار فيها، بل إنّ شبح التهديدات الأمنية وسوء إدارة شؤون المدينة والمحافظة بشكل عام، واستشراء الفساد فيها واعتداءات القوى الأمنية الممسكة بها على سكانها، أطلقت موجة نزوح جديدة، بحسب تقارير إخبارية حديثة. وكاد نبأ استقالة اللواء نجم الجبوري قائد عمليات نينوى التابعة لوزارة الدفاع العراقية على خلفية تواتر تهم الفساد الموجّهة لقوات الأمن في الموصل وربطها بتعدّد الخروقات الأمنية في المدينة، أن يتحوّل إلى أكبر عاصفة سياسية وإعلامية بشأن الأوضاع في ثاني أكثر مدن العراق سكّانا بعد العاصمة بغداد، لكن قيادة العمليات المشتركة سارعت، الإثنين، إلى نفي الخبر على لسان الناطق باسمها العميد يحيى رسول. وتقول مصادر عراقية إنّ الجبوري عبّر بالفعل عن رغبته في الاستقالة، لكنّ قيادات سياسية وعسكرية نافذة (لم تحدّدها) طلبت منه التريث “نظرا للنتائج السياسية والأمنية التي ستجرّها استقالته في هذا الظرف الحسّاس”، حيث كانت الاستقالة، بحسب ذات المصادر، “ستحوّل تهم الفساد التي تلاحق المسؤولين العسكريين والمدنيين في نينوى إلى فضيحة كبرى”. ونقلت وسائل إعلام عراقية عن مصادر أمنية لم تسمّها قولها إنّ الجبوري تقدم بطلب استقالة من منصبه بسبب اتهام القادة الأمنيين بالفساد من قبل السياسيين على خلفية الخروقات التي شهدتها مدينة الموصل. وأضافت أن “رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي وافق على ترقية الجبوري وإحالته على التقاعد”. وكان اسم اللواء الجبوري قد ورد قبل يوم واحد من نبأ استقالته في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية بشأن تدفّق موجة نزوح عكسية للأهالي من الموصل صوب مدن إقليم كردستان العراق، فرارا من الأوضاع الأمنية، ومن اعتداءات القوى الأمنية عليهم وابتزازهم ومحاولة الاستيلاء على أموالهم وخصوصا الميسورين منهم. ونقلت ذات الوكالة عن الجبوري قوله في نفس التقرير إنّ “المواطنين مازالوا يشعرون بالإحباط جرّاء كل تفجير إرهابي، فضلا عن معاناتهم السابقة جراء سيطرة تنظيم داعش على المدينة الذي استمر لثلاث سنوات”. ولم يتردّد الضابط الكبير في الإشارة إلى قلق الأجهزة الأمنية من “هذا الكم من النزوح الجديد” قائلا “نحن نرى أن المواطن الموصلي يشعر بأن الأجهزة الأمنية المحلية لم تعد قادرة على حفظ الأمن، أو في محافظة نينوى بشكل عام”، لكنّه استدرك معبّرا عن استغرابه من “أن محافظة نينوى ليست هي الوحيدة التي تتعرض لتفجير عبوة ناسفة أو عربة مفخخة أو اغتيال مدني هنا وهناك.. وأن هذا يحدث يوميا في محافظات كركوك وبغداد وبابل وصلاح الدين والبصرة وغيرها، لكننا لم نسمع بأن أهالي أي محافظة بدأوا الهجرة أو الرحيل إلى إقليم كردستان إطلاقا”. وتقول العديد من الأوساط العراقية إنّ الإرهاب ليس هو مصدر الخوف الوحيد لأهالي الموصل ودافعهم لترك مدينتهم، بل أيضا سلوكات القوات المكلّفة بحماية المدينة ومن ضمنها فصائل الحشد الشعبي الذي يجمع تحت لوائه العشرات من الميليشيات الشيعية. يشبّه عراقيون الحالة الراهنة في الموصل بتلك التي سبقت غزو تنظيم داعش لها واحتلالها في صيف سنة 2014 وورد في التقرير المذكور أنّ عدد العوائل النازحة من الموصل إلى كردستان العراق منذ شهر فبراير عام 2018 وحتى مطلع الشهر نفسه من العام الجاري ما يقارب أربعة آلاف عائلة، بحسب إحصائية رسمية عراقية. ويشير أحد رجال الأعمال إلى السبب المباشر وراء فرار رؤوس الأموال المحلية من الموصل بالقول إنّ العديد من التجار غادروا الموصل إلى إقليم كردستان بعد أن وجدوا “أن ابتزاز بعض عناصر القوات العراقية لا يختلف عن ابتزاز عناصر داعش، ويكون الخطف والقتل مصير من لا يدفع الإتاوات”، مؤكّدا “العديد من المتاجر أغلقت أبوابها ونقل أصحابها تجاراتهم من الموصل إلى محافظة دهوك حرصا على أرواحهم المهددة”. ويقول محافظ نينوى نوفل العاكوب إنّ “عودة ظاهرة النزوح من الموصل أمر يبعث على القلق، ونحن متخوفون من ارتفاع أعداد النازحين”، مشيرا إلى أن “هناك أكثر من 180عائلة مسيحية كانت عادت إلى منازلها العام الماضي في الساحل الأيسر من الموصل، وهي اليوم تعود مرة أخرى تاركة منازلها”. وطالب العاكوب، وهو بحدّ ذاته متهم بالفساد من قبل لجنة برلمانية يرأسها السياسي المعروف أسامة النجيفي، الحكومة العراقية “بتغيير الأجهزة الأمنية أو زيادتها وإبعاد بعض عناصر الأجهزة التي تعمل على ابتزاز المدنيين تحت كل الذرائع”. وقال النجيفي قبل أيام إنّ لجنة تقصّي الحقائق في نينوى أكملت عملها ووضعت خارطة طريق لمعالجة وتقويم الأداء الأمني ومحاربة الفساد وسوء الإدارة في نينوى. وفي انعكاس لخطورة التهديدات التي تحفّ بنينوى في المرحلة الحالية، طالب النائب عن المحافظة نايف الشمري، خلال مؤتمر صحافي عقده، الاثنين، بمبنى البرلمان في بغداد، بإرسال تعزيزات عسكرية للمحافظة وتوفير الوسائل التقنية اللازمة للقوات الموجودة هناك لمساعدتها على ضبط الأوضاع. ويشبّه عراقيون الحالة الراهنة في الموصل بتلك التي سبقت غزو تنظيم داعش لها واحتلالها في صيف سنة 2014، حيث شاع الفساد في مختلف إداراتها وأجهزتها بما في ذلك الأجهزة الأمنية. وسبق لوزير الدفاع السابق والنائب الحالي بمجلس النواب عن محافظة نينوى خالد العبيدي، القول في بيان إنّ “نينوى تعيش غليانا وإحباطا شعبيا متصاعدا سببه عودة الأجواء التي مهدت للانهيار الأمني في المحافظة، ومن علاماتها تفشي الفساد والرشاوى في عدد غير قليل من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ابتداء من نقاط السيطرة الأمنية وصولا إلى دوائر العقارات والجنسية والجوازات ومراكز الشرطة وليس انتهاء بالمؤسسات الخدمية المختلفة، يقابله انفلات أمني سببه عدم وجود القيادة القادرة على تحقيق الأمن”. أمّا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر فقد لخّص التهديدات التي تحفّ بالموصل بالقول عبر تويتر إنّ “الموصل في خطر وخلايا الإرهاب تنشط وأيادي الفاسدين تنهش”.
مشاركة :