التطرف اليميني يركب موجة «الإرهاب الإعلامي»

  • 4/1/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

محمد أمين – الإرهاب فعّال لأنه يبدو دائماً قريباً، وجديداً، وشخصياً.. وينطبق ذلك، وفق الكاتب في صحيفة غارديان البريطانية جاسون بورك، على ما حدث منذ اندلاع الموجة الأولى من العنف الإرهابي في مدن الغرب التي تحولت إلى التصنيع حديثاً في أواخر القرن التاسع عشر. إنه شعور شخصي لأنه على الرغم من أن الإحصائيات قد تُظهر أننا أكثر عرضة للوفاة في حادث منزلي عادي، فإننا نستنتج غريزياً، من هجوم يقع على الطرف الآخر من الشارع أو المدينة أو في حالة الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا الطرف الآخر من العالم، أننا قد نكون الهدف التالي لمثل هذا الهجوم. الإرهاب يبدو قريباً دائماً، على الأقل عندما يحدث في بيئة تشبه بيئتنا، لأن المسافة ومصدر الخطر يتلاشيان بسبب الصور المروعة على هواتفنا أو أجهزة تلفزيوناتنا أو صحفنا. كما يبدو دائماً جديداً، لأنه على الرغم من أن كل هجوم يتبعه جدول زمني مألوف، حيث التقارير الأولى وسط الفوضى والارتباك، وتصريحات الشرطة والسياسيين، وتحليلات المعلقين الذين يستيقظون تباعاً بحسب توقيت كل منطقة، وتحديد هوية المهاجمين والضحايا، والتعازي وتنكيس الأعلام، والنقاشات حول التطرف وما إلى ذلك، فإن كل حادث يظل متفرداً. في سبعينيات القرن العشرين، قال خبير الإرهاب برايان مايكل جنكينز إن «الإرهاب كان مسرحاً». وقد لخص ذلك الطبيعة المبهرة له. أما في هذه الأيام، فيبدو الإرهاب أشبه بمسلسل تلفزيوني لا نهاية له. والجميع يتمنى له أن ينتهي، ولكنهم يشاهدونه. رسالة عبر الإعلام وعلى الرغم من حقيقة أن الإرهابي الأسترالي برنتون تارانت، البالغ من العمر 28 عاماً، الذي قتل بالرصاص 49 شخصاً في مسجدين في نيوزيلندا، وبث الهجوم على موقع فيسبوك مباشرة عبر كاميرا GoPro محمولة على خوذة يرتديها، قد نزل إلى مستوى منخفض جديد من الترويج للإرهاب، فإن ما فعله في عالم تكنولوجيا الاتصال الحالي كان منطقياً وحتمياً للأسف الشديد. ويفترض معظم الناس بطبيعة الحال أن التغييرات التكنولوجية التي تؤثر على الإرهاب هي تلك التي تتضمن أسلحة أو متفجرات. ولكن التحولات الأكبر في هذا المجال حدثت منذ فترة طويلة. فقد تم الحصول على براءة اختراع للديناميت في عام 1867، وأصبحت الأسلحة الآلية منتشرة على نطاق واسع بعد الحرب العالمية الثانية. فإذا كان الإرهابيون يستخدمون الأسلحة الكيماوية أو طائرة مختطفة في هجماتهم، فإن نسبة كبيرة من الهجمات الحديثة تستخدم تكنولوجيا ليست جديدة في جوهرها. ما تغير إلى حد كبير هو الإعلام الذي مكّن الأفراد أو المجموعات من نشر رسالتهم. وغالباً ما يتم اغفال أهمية ذلك، لأننا نركز بشكل كبير على العنف. والإرهاب هو «دعاية الفعل»، وهو المصطلح الذي صاغه في القرن التاسع عشر أول من مارسه في العصر الحديث. فالعنف وحده لا يكفي في نظرهم، بل يجب أن يُرهب ويُلهم الخوف غير العقلاني ويغير آراء الناس. كما يجب أن يدفع الناس إلى التطرف ويشحنهم. ويجب أن يبعث برسالة إلى الأعداء والمؤيدين، وربما (وهو الأهم) إلى من هم ليسوا أعداء ولا مؤيدين. وقد جعل تنظيما القاعدة وداعش هذا الأمر واضحاً. وهذا ما أراد أن يوصله «بيان» تارانت. فكل تغيير في تكنولوجيا الإعلام على مدار نصف القرن الماضي أو أكثر يمكن القول إنه سهّل على الإرهابيين تحقيق هذا الهدف. ففي الخمسينيات والستينيات، كانت الإذاعة والصحف المصورة الجديدة تعنيان أن العنف يمكن أن يؤثر على الرأي العام في القوى الاستعمارية على بُعد آلاف الأميال. لذا، اختار المتطرفون أساليب «إرهابية» في الأيام الأخيرة من الانتداب البريطاني في فلسطين وخلال حرب الاستقلال الجزائرية ضد فرنسا. من ميونخ إلى 11 سبتمبر.. فداعش في السبعينيات، فهم الكثيرون إمكانات تأثير البث التلفزيوني في الخارج. فقد أراد منفذو الهجوم على الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد ميونخ عام 1972 إيصال رسالتهم الى العالم، على الهواء مباشرة عبر الكثير من شبكات التلفزة العالمية. وفي التسعينيات، ظهر البث التلفزيوني الفضائي. ولم يعد بوسع المحررين الغربيين أو الذين يعملون لدى حكومات عربية السيطرة على الأخبار التي تُبث إلى جماهير الشرق الأوسط. وأصبحت قنوات الاتصال أكثر مباشرة، وأدى ذلك الى تمكين المتشددين بشكل كبير. وفي الحادي عشر من سبتمبر 2001، أدرك أسامة بن لادن أنه لا يمكن لأحد أن يوقف بث الصور الحية لهجمات ضخمة في الولايات المتحدة والتي تصل إلى مليار شخص في العالم الإسلامي يشكلون جمهوره الأساسي. ثم جاء التغيير الأكبر: التكنولوجيا الرقمية. فكما تطورت المنظمات الإعلامية، تطورت المنظمات الإرهابية. لقد أصبحت وسائل الإعلام الرئيسية زائدة عن الحاجة الى حد كبير. لماذا تجهد النفس للحصول على بث «بي بي سي» أو الجزيرة، إذا كنت تستطيع إنشاء قنواتك الخاصة، والوصول إلى جمهورك مباشرة؟ لقد أثبت تنظيم داعش مدى فعالية ذلك. لقد كان المتطرفون اليمينيون أبطأ في استغلال إمكانات هذا التحول الزلزالي. لكن الآن، مع هجوم نيوزيلندا الارهابي، يمكن القول انهم لحقوا بالركب. صحيح أن هذا الحادث الإرهابي، الذي بُث حياً على الهواء، سبقته هجمات إرهابية أخرى، مثل قيام متطرف فرنسي ببث قيامه بقتل شرطيين عام 2016، لكنها لم تكن بالعمليات المُبهرة. كثيرا ما يقال اننا نحصل على وسائل الإعلام، التي نستحقها ولكن هذا تبسيط. لكن وسائل الإعلام، مثل الإرهاب، هي جزء من مجتمعاتنا، ومثل الإرهاب، تتأثر باتجاهات أوسع. ولعل العنصر الذي كان لافتاً أكثر للفظاعة في نيوزيلندا هو كيف كان تصوير الفيديو، كان المتطرفون اليمينيون أبطأ في استغلال إمكانات هذا التحول الزلزالي. الشهيد والشهود  كثيراً ما يقال ان هذا هو الإعلام الذي نستحقه، ولكن ذلك هو تبسيط شديد للمسألة. فوسائل الإعلام، مثل الإرهاب، هي جزء من مجتمعاتنا، ومثل الإرهاب، تتأثر بالتيارات الأوسع. ربما كان العنصر الأكثر وضوحاً في حادث نيوزيلندا الإرهابي، هو أن تصوير الفيديو كان جزءاً الجريمة. يقول تارانت في التسجيل لدى الدخول الى سيارته، موجهاً كلامه الى المشاهدين: «دعنا نبدأ هذا الحفلة». فالهدف من الهجوم ليس فقط قتل المسلمين، بل تسجيل فيديو لشخص يقتل المسلمين. وبالنسبة لعالم تارانت على الهواء مباشرة، وفي ذهنه وأذهان أتباعه، فهو محارب وبطل عنصري وقائد شجاع! وأشار تارانت في «بيانه» الى انه لا يسعى الى الموت، لكنه يتقبل أن يحدث ذلك. وأنه سيظل يُنظر إليه على أنه شهيد للقضية التي يدافع عنها، من قبل المؤيدين. كلمة الشهيد هي من أصل يوناني وتعني الشاهد. والكلمة العربية لها جذور مشابهة. فالشهود يحتاجون إلى جمهور، وإلا فإن أفعالهم تبقى بلا معنى. وبالنسبة لبعض الإرهابيين، فإن هذا الشاهد هو الله وحده، لكن هؤلاء قليلون. أما بالنسبة للعدد الأكبر، فإن الشاهد هو جمهور الموقع الالكترونية، مثل فيسبوك وغوغل وتويتر وواتس أب ويوتيوب وغيرها.

مشاركة :