يُروى أن الإمام الزاهد مالك بن دينار طرح هذا السؤال على المصلين في المسجد، بعد موعظة جليلة له أبكت الناس خشوعاً وتأثّراً، فلما انتهى من موعظته، بحث عن مصحفه فلم يجده، فبادرهم بالسؤال الذي ظلّ مشرعاً في وجه مجتمعاتنا، التي ترتفع أصواتها بتسبيح والتهليل والصلاة والذكر والدعاء ومظاهر العبادة، ثم يناقض سلوكها تلك المظاهر العبادية.اليوم يتكرر ذات الموقف وذات الحدث، كلنا نشتكي من الفساد، فمن الفاسد؟!مرّت السنون من بعد التحرير - وحتى يومنا هذا - ونحن نعايش الفساد بأنواعه ثم نشتكي منه، لنلاحظ تالياً أنه في ازدياد وتفاقم حتى اتسع الرقع على الراقع، وبدا الأمر وكأنه مرتب له مرغوب فيه، حتى وصل الحال بالناس إلى الاستيئاس من إصلاح الأوضاع.الفساد الإداري الذي يعاني منه كل المجتمع أصبح واقعاً مرّاً حذر منه سمو الأمير حفظه الله في مناسبات عدة، وأمر بمحاربته واجتثاثه من جذوره لكن أحداً من الفاسدين لا يستجيب كما أنه لا عقوبات رادعة يتم تنفيذها في حق الفاسدين لمنع انتشار سرطان إفسادهم في المجتمع، ما جرّأ الآخرين على السير في ذات الطريق لتحقيق مكاسب وثروات على حساب الوطن والمواطن.الناس يشتكون ويتذمرون من الفساد في القطاع الصحي، وعدم وجود مراكز رعاية صحية ومستشفيات كافية لعلاج المرضى، وإن وجدت كان الفساد في قيمة توريد الأجهزة والمعدات والأدوية وسيارات الإسعاف وأخذ إتاوة على الممرضات اللاتي يتم اسقدامهن للعمل في وزارة الصحة الحكومية وعدم أهلية بعض الأطباء للقيام بواجباتهم الإنسانية، ويشتكي الناس من الفساد في قطاع الطرق وعدم صلاحية اسفلت الشوارع لسير المركبات عليها وما تسببت به من حوادث سير وتكسير زجاج سيارات مرتادي الطرق والحفر التي تتسبب بإتلاف «التواير والرنجات» للسيارات، ويشتكون من الفساد في قطاع المناقصات من خلال اعتماد الأسعار المرتفعة مقارنة بالدول المجاورة الأخرى لتنفيع فئة من المجتمع على حساب جودة العمل والانجاز، كما يشتكون من الفساد في قطاع التعليم المتمثل في المناهج الدراسية الجامدة والتي لا تتماشى والتطور العالمي الهائل في قطاع تكنولوجيا المعلومات والنظريات الحديثة في العلوم الحياتية بل واللغة العربية والتربية الإسلامية.ولعل مخرجات مدارسنا وكلياتنا شاهد حي على ما نقول، ثم يشتكون من الفساد في القطاع العسكري والمبالغة في أسعار شراء المعدات العسكرية والأسلحة والطائرات وغيرها، بما يفوق أضعاف أضعاف ما تشتريه جيوش دول أخرى من ذات المصانع والشركات، ويشتكون من الفساد في القطاع الأمني حيث تكون الواسطة سيدة الموقف في كثير من القضايا المرورية والأمنية مثل اختلاسات الضيافة وعقود الإعاشة للعسكريين في إدارة حماية المنشآت وغيرها، والتي تراجعت بشكل ملحوظ في عهد وزير الداخلية الحالي الشيخ خالد الجراح ووكيل الوزارة الفريق عصام النهام.@mh_awadi
مشاركة :