ذوبان «ثويتس».. كابوس يزعج العالم

  • 3/13/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير حسين أطلق علماء أمريكيون وبريطانيون، حملة علمية لدراسة مثلجة «ثويتس»، أخطر نهر جليدي في العالم، في الجهة الجنوبية الغربية من القارة القطبية الجنوبية، بهدف تحديد المخاطر الحقيقية في المستقبل القريب بعد نشر تقارير علمية، تشير إلى وصول معدل الذوبان إلى 40 سنتيمتراً سنوياً، ما سبب ارتفاعاً عالمياً في مستوى سطح البحر بنسبة 4% خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، بينما تتوقع التقديرات الحالية «للهيئة الحكومية الدولية للتغير المناخي» ارتفاعاً وسطياً في مستوى سطح البحر بين 25 سنتيمتراً إلى 40 سنتيمتراً في حال النجاح في الحفاظ على مستوى انبعاث الغازات الدفيئة الحالي، دون حسبان انهيار الأنهار الجليدية في القارة الجنوبية. أثارت معدلات ذوبان «ثويتس» مخاوف العلماء، استمراره بالمعدل الحالي يتسبب بفوضى عارمة، مع تغلغل مياه المحيط عميقاً أسفله، تبدأ كتلته المقاربة لحجم ولاية فلوريدا بالتحرك نحو المحيط. ما ينتج عنه ارتفاع في مستوى سطح البحر بين 60 سنتيمتراً إلى ثلاثة أمتار. وتنطلق البعثة العلمية المشتركة بين مجلس أبحاث البيئة الطبيعية في المملكة المتحدة NERC، والمؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم NSF مطلع أكتوبر/‏تشرين الأول القادم، بتمويل 27.5 مليون دولار، وتستمر 5 أعوام، لتصبح أكبر بعثة بريطانية أمريكية مشتركة، لدراسة القارة القطبية الجنوبية منذ الأربعينات. وسيكون على فريق العلماء تقديم إجابات واضحة وحاسمة حول مستقبل ذوبان «ثويتس» على مستويات المياه في البحار والتي يهدد ارتفاعها بمتوسط مترين، وجود مدن كبرى مثل «هال» و«بورتسموث» وأجزاء من شرق لندن ومصب نهر التايمز، كما يمكن أن يؤدي خلال العقود القادمة، إلى غمر مدن أمريكية ساحلية أهمها نيويورك.يرأس ديفيد هولاند إلى جانب زملائه من «بريتش أنتاركتيك سيرفي»، واحدة من المهام الميدانية الست التي تتعاون على دراسة «مثلجة ثويتس»، في أضخم تعاون علمي حول القارة القطبية الجنوبية يشهده العالم خلال العقود الماضية، إذ بلغ عدد العلماء والباحثين المشاركين فيه حوالي 100 عالم من أفضل الجامعات والمعاهد العلمية المختصة بدراسة علوم الأرض والمناخ، بحجم تمويل 55 مليون دولار. ويرصد قياسات لمعدلات تغير حجم الجليد وكتلته، ويعتمد على القطع البعيدة المغمورة لدراسة كمية المياه المالحة التي تحركت أسفل النهر. ويستخدم فريق العلماء أجهزة متقدمة، و 10 «فقمات» مزودة بحساسات تراقب درجة حرارة المياه التي تسبح فيها، كما تعاونهم الغواصة الروبوتية «بوتي مك بوت فيس».أشار هولاند إلى أن ذوبان «ثويتس» يساهم ب 4% في ارتفاع مستوى مياه المحيطات سنوياً، وقال:«يعود أحد أسباب الذوبان السريع للنهر إلى امتداد جزء منه داخل المحيط على شكل وتد، ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة بدأت طبقات الجليد المحيطة بالوتد المغمور بالمياه في فقدان كثير من سمكها، ما أدى إلى منع الطبقات العالية من دعم ذاتها». وقال مايكل زيمب مدير المركز الدولي لمراقبة الأنهار الجليدية بجامعة زيوريخ، والباحث الرئيسي في دراسة ممتدة منذ سنوات مهتمة برصد التغيرات الطارئة على الأنهار الجليدية: «تذوب الأنهار التي نرصدها بمعدل يتراوح بين نصف المتر، والمتر سنوياً، وهذه الأرقام أسرع بمرتين أو ثلاث مرات، من الأرقام المسجلة سابقاً خلال القرن العشرين».وأكد إيريك رينيو عالم الجليد لدى مختبر الدفع النفاث بوكالة ناسا، والمختص بدراسة جليد القارة القطبية الجنوبية، أنه منذ نحو عقدين، أصبح انهيار الصفيحة الجليدية لغرب انتاركتيكا مسألة وقت فحسب، والسؤال المطروح ..كم يستغرق ذلك، هل سيكون 100 عام أم أكثر؟».وحذر رينيو من أن الارتفاع المستمر لدرجة حرارة الأرض، سيلحق «مثلجة ثويتس» بنفس مصير «رصيف باين آيلند الجليدي» الذي يبدو الآن مشوهاً في صور الأقمار الصناعية تتخلله آلاف الأخاديد العظيمة، وتقطع حوافه صدوع يناهز عرض الواحدة منها نصف كيلومتر. وقال: «يبلغ سمك جليد باين آيلند 400 متر، وتقلص بمعدل 45 متراً بين أعوام 1994 2012، وفي 2016 انفصلت قطعة مساحتها 580 كيلومتراً مربعاً منه وانجرفت بعيداً نحو بحر أماندسون. وبسبب ارتفاع حرارة المياه بنسبة نصف درجة مئوية طوال العقود الماضية، تضاعف معدل سرعة ذوبان الجليد الأعوام الأخيرة».يعد «رصيف باين آيلند» أحد الأنهار الجليدية الكبرى التي تشكل مساحة هائلة من الجليد يطلق عليها «الصفيحة الجليدية لغرب انتاركتيكا»، يفوق سمكها 3 كيلومترات، وتغطي مساحة تعادل ضعف فرنسا. وتكسو الصفيحة سلسلة جزر، أغلبها قائمة على أرضية حوض يزيد عمقه على 1500 متر تحت مستوى سطح البحر، ما يعرضها بصورة خاصة لارتفاع درجة حرارة المحيط. ولو قدر لكل ذلك الجليد الهش الذوبان والتحول إلى قطع تنجرف بعيداً يرتفع منسوب مياه البحار 3.3 متر، وتغرق سواحل العالم. جدران في وجه المياه قبل نهاية العام الماضي، نشرت مجلة «Cryosphere»، التي يصدرها «الاتحاد الأوروبي للعلوم الجيولوجية»، ورقة علمية اقترحت بناء جدران في قاع البحر لمنع ارتفاع مستوى المياه المتوقع، نتيجة «الإحترار العالمي». ويعتقد الباحثون إن بإمكانهم إيقاف انزلاق الكتل الجليدية تحت سطح البحر أثناء تفككها في الأعماق من خلال إقامة حواجز من الصخور والرمال.قال مايكل وولوفيك، الباحث في قسم علوم الأرض في جامعة برينستون بالولايات المتحدة: «تبدو الفكرة خيالاً علمياً، إلا أن التصميم سيكون بسيطًا نسبياً». ووصف الخطط بأنها «في حدود الحجم المعقول من الإنجازات البشرية» وأضاف: «ببساطة نتخيل وضع أكوام من الحصى أو الرمل في قاع المحيط». واستطرد: «لن تهدف تلك الهياكل فقط إلى كبح ذوبان الأنهار الجليدية، ولكن منع وصول الماء الدافئ إلى قواعد الأنهار الجليدية تحت سطح البحر».عمل وولوفيك وزملاؤه الباحثون على نماذج حاسوبية للتحقق من التأثيرات المحتملة للمنشآت التي يعتقدون أنها ستكون ضرورية، معتمدين نهر «ثويتس الجليدي» في «أنتاركتيكا» كنقطة انطلاق لهم. وأشار الباحثون إلى أن إنشاء هيكل من الأعمدة أو الأكوام المنفردة في قاع البحر، يبلغ ارتفاع كل منها 300 متر، يتطلب ما بين 0.1 و 1.5 كيلومتر مكعب من المواد الكلية. ومن شأن بناء هيكل من هذا النوع أن يكون لديه احتمال بنسبة 30٪ في منع انهيار النهر الجليدي في المنطقة القطبية الجنوبية. ووفقًا للنماذج وباستخدام تصاميم أكثر تعقيداً يصعب تحقيقها في الظروف القاسية في قاع البحر في المناطق القطبية، يمكن بناء جدار تحت الماء لديه فرصة 70٪ للنجاح في سد نصف المياه الدافئة من الوصول إلى الجرف الجليدي. مهمة 4 سنوات بدأت بعثة من علماء المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في سبتمبر/‏‏ أيلول الماضي، بالتعاون مع معهد أبحاث الغابات والجليد في لوزان، مهمة علمية مدتها 4 سنوات لاكتشاف ما يمكن أن يفقده العالم غير الماء عند ذوبان الأنهار الجليدية. ومن خلال فحص كائنات دقيقة تعيش في جداول تلك الأنهار، يأمل الباحثون في التعرف إلى صورة أوضح لكيفية تأقلم الكائنات مع الأحوال البيئية القاسية.وسيعمل الباحثون على دراسة أكبر أنظمة الأنهار الجليدية في العالم « آلاسكا والهيمالايا والأنديز والدول الإسكندنافية والقوقاز ونيوزيلندا وجبال الألب الأوروبية»، باستثناء الصفيحتين في جرينلاند وانتاركتيكا، في محاولة لتحليل خريطتها الوراثية، وتحديد المخاطر المترتبة على ذوبانها على إمدادات المياه العذبة، إذ تقدم كميات المياه الضخمة المخزنة في الأنهار الجليدية دوراً مهماً في تدفق المياه في أنهار العالم، وتوليد الطاقة الكهرومائية، إضافة إلى الإنتاج الزراعي. تجويف ضخم حذر بيترو ميللو من وكالة «ناسا»، وأحد أهم العلماء المهتمين بدراسات تغير المناخ، من مخاطر تقلص الكتلة الجليدية للمثلجة «ثويتس»، مؤكداً وجود تجويف ضخم في الجزء السفلي منها كعلامة مزعجة على الوتيرة السريعة التي يتغير بها المناخ. وقال:«عثر العلماء على العديد من الاكتشافات المزعجة خلال فحص نهر ثويتس الجليدى، وفق البيانات الواردة من الرادار المتطور مخترق الثلوج، ورصدت الأقمار الصناعية عالية الدقة تجويفاً طوله 300 متر يكفي لاحتواء 14 مليار طن من الجليد. والمفاجأة، أن التجويف الموجود بالجزء السفلي ازدادت مساحته بسرعة كبيرة، مع ذوبان نسبة كبيرة من الجليد خلال السنوات الثلاث الماضية». وأضاف:«يلعب حجم هذا التجويف أسفل النهر الجليدي دوراً مهماً في الذوبان. وفهم سرعة فقدان الأنهار الجليدية في أنتاركتيكا أمر حيوي لتقدير مدى سرعة ارتفاع مستويات البحار حول العالم بسبب تغير المناخ».

مشاركة :