لم يكن الأخضر الإبراهيمي المجاهد القديم المتزوج من ابنة القبطان الذي كان يتولى نقل الأسلحة للثورة الجزائرية، أيام الاحتلال الفرنسي، والسياسي الأممي رفيق بن بيلا وصديق نيلسون مانديلا يبلغ الآن من العمر 85 سنة، يتصور ولو للحظة واحدة أن القدر سيعيده بقوة للمشهد الجزائري، وهو الذي قرر الخلود للراحة والتأمل ومراجعة مشوار طويل من الجهاد على الساحة الجزائرية، والنضال الدبلوماسي على الصعيد العربي والإفريقي والعالمي. في المرة الأخيرة التي التقيته في جنيف، كان مفعمًا بالنشاط والحيوية، رغم أنه ترك الساحة السورية متألمًا وربما نادمًا، سألته عن الخطوة التالية، فقال إنها فترة التأمل والمراجعة. في ضوء ذلك يصبح من المبالغة بل من التهويل القول بأن الأممي المحنك والذي تولى ملفات عالمية صعبة، ويبلغ من العمر 85 عامًا يطمع في الحكم، أو يوافق على أن يكون جسرًا لتمرير أي فكرة تصطدم بإرادة الشعب. إنه الأخضر الذي خبر مآسي أفغانستان، وما أفرزته من حروب أهلية، وتعثرات سياسية، وتدخلات إقليمية ودولية، دون أن تنتهي المشكلة. وهو أيضًا يدرك جيدًا ما كان في هايتي، تلك الدولة الواقعة في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وما حدث من فتنة بين الجيش والسلطة والشعب، واستمرار العنف حتى عام 2006؛ إذ انتُخب الرئيس رينيه بريفيال في انتخابات ديمقراطية. وبالتأكيد تسجل ذاكرة الأخضر الإبراهيمي، ملابسات الإبادة الجماعية في الحرب التي اشتعلت بين قبائل التوتسي والهوتو، وانتقال المأساة من رواندا إلى زائير، ونضال جنوب إفريقيا، وما نتج عنه قيم الانعتاق من التفرقة العنصرية، واحتلال العراق، وما أفرزه من تداعيات داخلية وعربية، ومجازر سورية، وما قادت إليه من تفتت وتشرد وتدخلات عالمية.. وباختصار يدرك الرجل أكثر من غيره خطورة عدم السماع لصوت الشعب، وخطورة تجاهل المستجدات الإقليمية والعالمية، وقبل هذا وبعده خطورة الانحراف بهوية الدولة، وعقيدة الشعب. التاريخ الطويل للأخضر الذي التقى بوتفليقه مساء 11 مارس 2019 يشي بأنه لن يقبل بأي دور حقيقي يخسر من خلاله تاريخه كله، بما له وما عليه، ولن يقبل بأي دور شكلي يمرر فيه شيئًا يصادم رغبات الشعب! والأهم من ذلك كله، أن الأخضر أكثر من يدرك أن كل الحيل لن تنطلي على جيل جزائري جديد يمتلك إرادة من حديد. أخيرًا وفي ضوء ذلك، يمكن القول: إن الإبراهيمي صاحب الذاكرة المتوهجة والعقل الأخضر، يستطيع أن يرسي أو يرسم أو يشارك في بلورة ملامح الجزائر الجديدة.. جزائر عربية حرة تملك إرادتها، ومستقلة تملك قرارها، وقوية تملك جيشها بإرثه الكبير.. جزائر قادرة على تدارك كل ما فاتها من تقدم ونهضة وعدالة وحرية.
مشاركة :