رغم دوره البالغ الأهمية في أحداث ثورة 1919، ومنزله الذي كان قبلة لكثير من الثوار ومن قبلهم أنصار الثورة العرابية، إلا أن الشيخ مصطفى القاياتي، الذي كان يتبادل الخطب الحماسية مع القس سرجيوس في الأزهر والكنيسة، صار رمزًا مجهولًا للكثيرين من مُتابعي ثورة 1919، فلم يتم الاحتفاء بذكراه أو تخليد اسمه على واحدة من المنشآت العامة كما حدث مع الكثير من رموز التاريخ المصري الحديث؛ بل تم إقصاء منزله من قوائم المباني الأثرية منذ عام 1961.لا تزال "عطفة القاياتي"، أو ما نعرفه اليوم باسم "عطفة السكرية"، والتي تقع على بعد أمتار من "باب زويلة" الشهير في القاهر الفاطمية، شاهدة على الشيخ مصطفى القاياتي، الذي سكن هذه المنطقة منذ نهايات القرن التاسع عشر؛ ليتحول البيت المبني على الطراز العثماني -وهو الأشهر آنذاك- إلى واحد من المنازل التي آوت الثورة ورجالها.الشيخ القاياتي، والذي يُعّد واحدًا من أبطال ثورة 1919 رغم عدم الاحتفاء به كما ينبغي، تعود أصوله إلى قرية "ﺍﻟﻘﺎﻳﺎﺕ" التابعة لمركز العدوة بمحافظة المنيا، والتي ولد فيها في عام 1879 لعائلة اعتادت الالتحاق بالأزهر الشريف، واشتهرت بالعلم والكرم والوجاهة والوطنية؛ وعُرفت دار ﺍﻟﻘﺎﻳﺎﺗﻲ في السكرية بأنها ملتقى لأهل العلم والأدب؛ وقد حفظ الشيخ مصطفى القرآن الكريم كاملًا في صباه، وكعادة أبناء العائلة التحق بالأزهر الشرف، وهناك عُرف عنه الجدية في طلب العلم والمعرفة، وكان يغترف من أمهات الكتب؛ كذلك اشتهر وسط أقرانه بالنزعة الوطنية والميل إلى إصلاح ما حوله، سواء داخل الأزهر أو خارجه، وهو ما دعاه إلى تأسيس جمعية "مكارم الأخلاق" وهو لا يزال طالبًا، لينخرط بعد تخرجه في الكثير من الأنشطة الاجتماعية والخيرية. حصل القاياتي على شهادة العالمية من الأزهر، ثم انخرط في سلك التدريس به، لينتقل بعد ذلك إلى التدريس في الجامعة المصرية -التي كانت تعرف بجامعة فؤاد الأول وصارت فيما بعد جامعة القاهرة- ليتخصص في تدريس اللغة العربية وآدابها.. يقول تلامذته في ذلك الوقت إنه كان مرجعًا في اللغة والأدب؛ لكنه كذلك لم يُهمل دوره الاجتماعي، ففي تلك الفترة أسس "جمعية الدفاع عن حقوق مصر"، والتي اشتهرت واتسع نشاطها، ما دعا سلطة الاحتلال الإنجليزي إلى إغلاقها.لم يكن انضمام الشيخ القاياتي إلى ثورة 1919 وليد اللحظة أو كان عن طريق المصادفة، فقد كان والده وعمه من الداعمين للثورة الُعرابية، وكان بيت القاياتي مُلتقى لضباط الجيش الداعمين لعرابي في مواجهته للخديو توفيق، حيث كانوا يعقدون اجتماعاتهم هناك؛ وقد ظلا داعمين للجيش المصري الثائر في مواجهة الاحتلال حتى تم القبض عليهما ونفيهما إلى الشام؛ هكذا كان واحدًا من أوائل من ساندوا مطالب الزعيم سعد زغلول بالاستقلال في أعقاب الحرب العالمية الأولى، فصار خطيبًا للثورة.
مشاركة :