كانت للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش طقوس وعادات يومية لا يرغب في أن يخترقها أحد، خاصة ساعات القراءة والكتابة، كان يتأنق في تلك اللحظات وكأنه ذاهب ليُقابل محبوبته. كان يلعب النرد كتسلية لرجل فضّل البقاء وحيدًا رغم آلاف المُحبين، يُفضّل الموسيقى على الكثير من الجلساء، ويشرب القهوة مُتجرعًا مرارة أقل من الغياب عن الوطن.كان درويش، بعد خوضه الزواج والانفصال مرتين يعيش وحيدًا في شقته وكان رافضًا أن ينام عند أحد، ولا يرغب في أن ينام عنده أحد، باستثناء بعض الأصدقاء الذين يأتون إليه أحيانا من فلسطين، وكان مُعتادًا على النوم مبكرًا ويستيقظ صباحًا، فيبدأ بحلاقة ذقنه والحمام وتناول القهوة، ثم يلبس أجمل ثيابه وحذاءه، كما لو أنه سيذهب إلى موعد رسمي، ويجلس خلف الطاولة مُنتظرًا إلهام الكتابة "ليقتنص الوحي" حسب تعبيره، فكان يكتب صفحة أو صفحات وأحيانًا لا يكتب شيئًا، وكان يتحدث العبرية والإنجليزية والفرنسية، وكان يحب سماع الموسيقى التي غالبًا ما كان يستمع إليها أثناء الكتابة، وكان لديه مجموعة كبيرة من الأشرطة والأقراص الموسيقية، خاصة عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ويتابع المسلسلات التاريخية. أما تسليته فكانت في لعب النرد التي ينهمك في أجوائها، فيصرخ أحيانًا، ويغتاظ أخرى؛ إلا أنه، ورغم كل مُحبيه، كان يخشى من الموت وحيدًا دون أن يشعر به أحد.وروى أصدقاؤه المقربون أنه كان يصنع لهم القهوة بنفسه، ويتفنن في ذلك، ولا يحب أن يصنعها أو يقدمها لهم أحد غيره، وكان يصر على أن يصنع القهوة بيديه، ويخدم زواره، وهو نفسه كتب عنها في "ذاكرة النسيان" قائلًا: "لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة، فالقهوة لمن أدمنها مثلي، هي مفتاح النهار، والقهوة، لمن يعرفها مثلي، هي أن تصنعها بيديك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت"؛ وكان كذلك طباخًا ماهرًا، خاصة عمل الملوخية والفاصوليا البيضاء والبامية، وكان يُسهب في وصف طريقته في الطبخ، وكيف يقوم بانتقاء اللحمة ونوعها، ونوعية البهارات التي يستخدمها، وتفاصيل الملح والثوم وغيرها.
مشاركة :