العبودية الجديدة

  • 3/3/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

إن أحد عوامل التعاسة أو الشقاء؛ أن ترتبط بشريك حياة يجلب لك النكد، أو أن تقترن بوظيفة عمل تفعل معك ذات الأمر. إن حدث وأصبحت صاحب القدرين التعيسين (زوجة ووظيفة نكدية) فاجتهد بالدعاء للفرج، وحاول الفرار من إحداها بكل السبل. إن وجه الشبه بين الشريك النكد والوظيفة النكد، أنك لا تستطيع التخلص من إحداهما أو كليهما بسهولة، كما أنها لصيقة بأحداثك اليومية، وهي القادرة على التحكم بمزاجك وانفعالاتك. المبشر بالخير؛ أن معظم الحالات التي كانت تشتكي من قدرها الزواجي أو الوظيفي لم تجمع بين السيئتين، بمعنى أن قرناء الأزواج النكديين كانوا يتمتعون بحظوة جيدة في المجال الوظيفي، والعكس يحدث، والحمد لله لذلك، فلولا ذلك لكنا أمام ظاهرة خطيرة لها تبعات على المجال النفسي والاجتماعي والتنموي في المجتمع. طبعا لكل قاعدة شواذ، ونحن لا نستطيع تعميم الأحكام إلا من خلال دراسة وبحث علمي. لكن كعاملة في مجال البحث الاجتماعي؛ أستطيع أن استخلص بعض الملاحظات المشتركة لمعاناة الموظفين في المجال الحكومي، وذلك من خلال تواصلي الاجتماعي والعملي مع مجموعة من الموظفين والموظفات بشكل معمق، والتي نستطيع من خلالها تعميم بعض التجارب التي تتعلق بهم في هذا المجال. خلاصة المعاناة تتمثل في أن الموظفين المنتجين وسريعي الإنجاز لمتطلبات العمل، هم في الحقيقة يمارسون أعمالا مضاعفة ويقومون بدور زملائهم الاتكاليين والمتسيبين، فالمدراء لا يكلفون الكسالى وأصحاب الهمم الضعيفة معظم مهام العمل، ولا يثقون إلا في أصحاب المهارة وسرعة الإنجاز، ولأن الموظفين سواسية في النظام والحوافز التي تقتصر فقط على أصحاب كراسي معينة، ولا تشمل سواهم، فإن الموظف المنتج والحريص سيدفع الثمن، خاصة أن معظم المسؤولين ليس من أولوياتهم تحفيز الموظف، سواء في الجوانب المعنوية أو المادية، ويرون أنه يؤدي عملا مجبرا عليه وليس بعائد نفعي مباشر لهم؛ حتى يندفعوا للاهتمام به، بل أن سخطهم أسرع من رضاهم، كما أن الموظفين الذين لا يتبعون مع مدرائهم سياسة مسح الجوخ؛ فهم من المذمومين المدحورين، لذا لا تتعجب عندما ترى أن بعض المسؤولين يدير عمله في المنظمة كما لو كانت أحد ممتلكاته الشخصية، ولا تتعجب عندما ترى أن معظم الوظائف الإدارية في كثير من القطاعات الحكومية مكدسة بأعداد من الموظفين، تفوق حاجتها الفعلية؛ لأنها ممتلئة بأقارب ذلك المسؤول وذاك المدير الذين لا يجيدون سوى مهارة الجلوس في المكتب والثرثرة بما لا يفيد.! أما الوظائف المهمة، والتي تعتمد على مهارات معينة وتخصصات نادرة، فهي تعاني نسبة تسرب وظيفي عال؛ لأن شاغليها يرون في أنفسهم مهارة لا تحتاج لسياسات التملق، كما أن تقديرهم المعنوي قبل المادي قد وجد في قطاعات خاصة، لذا نراهم يغامرون بالتغيير لتلك الأماكن تاركين قضية الأمان الوظيفي وضعف الطموح لغيرهم. الخلاصة، أن الكسل وضعف الإنتاجية هو سلوك يتبعه معظم الموظفين الحكوميين كوقاية من أعباء العمل التي ستكون بقسمة ضيزى بين الموظف النشيط وزميله المماطل. وعودة على ذي بدء، يجب أن تتخذ كافة السبل لتغيير مصادر النكد في حياتك سواء شريك حياتك، أو وظيفتك أو نوع عملك، ولا تحاول الاستسلام لها إلا إذا رأيت أن قيمتك ومهاراتك لا تستحق سوى ذلك، لأن هذا الأمر سيكلفك الكثير من صحتك النفسية والجسدية وستشعر حينها بأنك أحد ضحايا العبودية الجديدة. إعلامية وباحثة اجتماعية

مشاركة :