حسان الحديثي خُلِقَ الإنسان منقوصاً عن الكمال بالعقل واليد؛ اي بالفكر فهو لا يحيط بكل شيء فهماً وعلماً، وبالاستطاعة فهو لا يقدِرُ على عمل كل شيء ولا يقْدِر الوصول لكل شيء، وهذا ينطبق على سائر البشر فان استطاع ذلك بعض البشر كـ "الانبياء" بالمعجزات بقي كمالهم محدوداً بزمن اذ لا مفرَّ لهم من الموت "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون" ويبقى الكمال لله وحده بكل شي وآية ذلك ثلاث: الحياة لأنه -سبحانه- حي لا يموتوالقدرة لأنه قادر على كل شيءًوالمُلْك لأنه يملك كل شيء ، ويملك الموت الذي يأتي على كل شيء فينقصه، فهو كاملٌ اولاً، ثم قادرٌ على انقاص غيره ثانياً، ليبقى الكمالُ له وحده فقط.وهذا المعنى قديمٌ جداً وقد ادركَه النابغةُ الذبياني وبلّغه للنعمان ابن المنذر تصريحاً لكنّه أدمج فيه معنىً "مُبطناً" بقوله في اعتذاريتِه المشهورة:حلفْتُ فلم أتركْ لنفسِكَ رِيبةً ... وليسَ وراءَ اللهِ للمرءِ مذهبُومعنى قوله: "وليس وراء الله" اي انَّ الله وراء كل شيء والمقصود انه محيط بكل شيء، والاشارة هنا ان الله أعظم منك وأكبر والخطاب للنعمان، ثم لم ينتهِ عند ذلك بل ونفى الكمال عن بني البشر -والنعمان منهم- حين قال له:ولستٍ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّهُ ... على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ؟والاستفهام هنا في قوله "أيُّ الرجالِ المهذبُ؟" يفيد التحقيق و"المهذب" هنا كناية عن الكمال اي لا كمال للانسان والنعمان إنسان قبل ان يكون ملِكاً، فهل فات عليه المعنى فلم يدركْه ولم ينتبه اليه؟ ام ادركَه وسكت عنه لإيمانه به ويقينه بصدقه؟هناك -غالباً- فكرة في الشعر الخالد سيما عند النوابغ من الشعراء فإن لم يكن الشعر حاملاً لفكرة متجددة تزيده بريقاً على مدى الأزمنة ماتَ ودَرَسَ وانتهى كآلاف القصائد التي قيلت ثم اندرست فليس كل ما قيل من شعر قد وصَلَنا، والفكرة هي التي تعطي الشعر هذا اللمعان وتنفخُ فيه الحياة من جديد مع كل جيل حين تغريهم بحفظه فيعيش ويخلد في الصدور، ويزداد الشعر جمالاً ان حَمَلَ في ظاهره معنى وأدمج آخر والدليل هذان البيتان ان تمعنا فيهما وجدناهما ينطويان على معنى غير الذي قد بان وظهر.
مشاركة :