ســــرديـــات: «منامة القصيبي» عندما تنبض شعرًا وتتدفقُ جمالاً!

  • 3/17/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

«بحرين! هذا أوانُ الوصلِ..فانسكبي عليّ بحرينُ من دُرٍ ومن رُطب» غازي بن عبدالرحمن القصيبيّ «حين زار الدكتور غازي القصيبيّ بيت الشعر «بيت إبراهيم العريض» بعد افتتاحه بشهور قليلة وأثناء جولته في البيت، وبالتحديد في الغرفة التي تضمّ مأثورات العريض، التفت إلى زوجته قائلاً: بعد موتي لا بد من أن تعطي رسائلي وصوري لميّ لتحفظها في بيت جميل مثل هذا. آنذاك لم نكن ندري أنَّ الموت سيكون على موعد معه بعد أربع سنوات فقط ليسرقه منا، ونشرق بالدمع حزنًا على الإنسان الشاعر، يومها كان وعدًا أن يكون للقصيبيّ بيت في المدينة التي أحبها وغنّى لها وأحبَّ فيها وعاد إليها ولم يبتعد عنها». هكذا كتبت معالي الشيخة ميّ بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار عن وصية شاعر عشق البحرين فعشقته، واحتوى في حنايا قلبه البحرين فاحتوته وضمَّته بعمق. وبعد سنوات نفّذت الشيخة ميّ بنت محمد آل خليفة وصية الشاعر القصيبيّ بعد أن اجتهدت أن يتحقّق حلم القصيبي كأجمل ما يكون التحقّق. والشيخة ميّ بنت محمد ترسخ في الذاكرة الثقافيّة البحرينية وبعمق وفاءها الحقيقي للشخصيات الثقافية الفاعلة التي أحدثت حراكات ثقافية كبرى في البحرين، وترسخ وتعزّز في الذاكرة البحرينية كذلك كونها بالفعل صاحبة المبادرات الثقافية ذات الطبيعة الابتكارية التي لا تشبه سواها؛ مبادرات ثقافية كونية تمتزج فيها الثقافة بالجمال في تفاصيله المرهفة ذات الحساسية الفائقة: ثمّة احتفاء عميق جدًا عند الشيخة ميّ بالثقافة والجمال معًا. افتتح بيت غازي القصيبي قبل أيام قلائل في يوم ميلاد الشاعر الذي يوافق الثاني من شهر مارس، وفي البيت نفسه الذي ترعرع فيه منذ سنوات الطفولة الباكرة إلى مراحل الشباب الأولى. لقد افتتح هذا البيت الثقافيّ الذي هو بالفعل متحف استثنائيّ بتبني معالي الشيخة ميّ بنت محمد آل خليفة فكرة إنشائه ووقوفها عند تفاصيل تنفيذ هذا المشروع الثقافيّ المغاير الذي يجسد لحمة الأواصر والعلاقات الثقافيّة بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية من خلال إرث ثقافيّ مشترك. كما دعم الأمير الوليد بن طلال إحياء بيت غازي القصيبي وتوظيفه بوصفه متحفًا لمأثورات القصيبي، كما أهدت عائلة خليفة القصيبي البيت الكائن في فريج الفاضل بالمنامة كي تعيد إحياء ذاكرة المكان: ذاكرة الشاعر غازي القصيبي المتدفقة فيه والناطقة باسمه. وبافتتاح هذا البيت الثقافيّ العريق يكون مركز الشيخ إبراهيم بن محمد للثقافة والبحوث مستكملاً لرسالته وجهوده المتواصلة للحفاظ على الإرث الثقافيّ والمعماريّ بيت الشيخ إبراهيم بن محمد وبيت الشعر وبيت عبدالله الزايد وغيرها من بيوت ثقافية كثيرة أسّستها الشيخة ميّ منذ سنوات عدة، ومن خلال استراتيجيات ثقافية تعتمد مبدأ «الاستثمار في الثقافة». وهي بهذا حافظت على ذاكرة المكان متدفقة، وحافظت على الإرث الثقافيّ المعماريّ، وأعادت تشكيله واستنطاقه ثقافيا وفنيا في معادلة ثقافيّة تمزج الأصالة بالمعاصرة والحداثة وما بعدها. يأتي بيت غازي القصيبي بيتًا استثنائيا في فرادة تصميمه من خلال كريستوف مارتن الذي أعاد ترميمه في أسلوب جمع الحداثة بالتقليديّ، وهو أسلوب يعكس هوية القصيبي التعدّدية، ومن خلال تصميم شركة «ميدوز» عروضًا رقمية التي أحالت بعض زوايا بيت غازي القصيبيّ إلى متحف تفاعليّ صغير يحضر فيه القصيبيّ بالصوت والصورة عبر مراحل حياته ومساراتها المتعدّدة. كما مثّلت بعض التركيبات التي اشتغل عليها الفنان السعوديّ ناصر السالم حياة القصيبيّ الزاخرة بالتنوع والتغيّر. سنجد في بيت القصيبيّ حديقة المنزل التي صمَّمها ماديسون كوكس التي ربطت البيت التراثيّ والجزء الحديث حيث يوجد مقهى من تصميم عمّار بشير وقاعة مخصصة للمعارض المؤقتة والنشاطات الثقافيّة، يتجسد فيها عمل فنيّ «في عين العاصفة» للفنانة البحرينيّة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، وهذا العمل هو تحية رمزية عميقة من الشيخة هلا لغازي القصيبي العروبيّ الذي دافع دائمًا عن القضية العربيّة رغم التحديات الكبرى، ورغم الانكسارات السياسيّة التي عرفتها المنطقة العربيّة. كتبت الشيخة هلا عن عملها قائلة: «في عين العاصفة» عمل يجسد فكرة وطن متكامل، رغم العواصف تقف الأعلام شامخة مرفوعة الرأس، يحمل العمل حلم وحدة الأوطان وأملاً لزرع الورود في أراضيه، بين الحدود والرمال والبحار، بين السماء والماء، يبقى الانتماء الصادق السلاح الذي به نصدّ العواصف. قبل أشهر قليلة كنتُ في زيارة لقصر «الباهية» الجميل بمراكش، واستوقفتني أبيات الشعر الجميلة المشرقة التي تنبض بالسعادة والجمال وكأنَّ فضاء المكان لايزال ناطقًا بها في حضور باذخ. وبيت القصيبي تنبض أشعاره وهي مكتوبة تزين جدران المنزل من الخارج، أبيات يتغنى فيها القصيبي بالمنامة والبحرين التي سكنت أعمق أعماقه «حملتُ وجهكِ في روحي وطرتُ به... مع المحيطاتِ عبر البرقِ والسُحبِ... أخلو إليه..فتؤويني بشاشته.. وأحتمي فيه من رعبٍ ومن وصبِ». أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين. dheyaalkaabi@gmail.com

مشاركة :