منى البدوي قد تكون تصرفات فردية، إلا أنها موجودة ضمن سلوكيات بعض المعلمين غير القادرين على ضبط النفس خلال التعامل مع الطلبة في البيئة المدرسية سواء كانت بالفصل أو الساحة أو غيرها، ما يجعلهم يقومون باستخدام التوبيخ اللفظي «شتائم» بطريقة لا تليق بمهنة المربي الذي من المفترض أن يكون نموذجاً يستمد منه الطالب أو الطالبة الأخلاقيات الحميدة والسلوكيات الإيجابية قبل التعليم، متجاهلاً أهمية الرسالة التربوية والتعليمية التي يؤديها في المجتمعات ودورها في تنشئة أجيال أساس بنيتها الأخلاق ومن ثم السمو بها بالثقافة والتعليم.وعدد من أولياء أمور الطلبة عبروا عن امتعاضهم بسبب الألفاظ النابية التي يوجهها بعض المعلمين والمعلمات لأبنائهم الطلبة، مؤكدين تقديرهم للدور الكبير الذي يقوم به المعلم ومدى الجهد والوقت المبذول خلال اليوم الدراسي وحجم الأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، إلا أن ذلك لا يمكن اعتباره مبرراً لفقد السيطرة على السلوكيات والألفاظ، خاصة أن بعض الكلمات «النابية» مع تكرارها على مسامع الطلبة، تصبح متداولة على ألسنتهم، كما أن بعضها يعلق تأثيرها في نفسية الطالب، وهو ما قد يشعره بالخجل أمام أقرانه بسبب ما تم نعته به من صفة قد تكون أحياناً غير إنسانية، وبالتالي التأثير في مستواه الدراسي.قال محمد العامري، ولي أمر طالب في الصف الرابع: «فوجئت بولدي يسألني وهو في حالة حزن «والدي هل أنا منافق؟» وعند الاستفسار منه عن سبب السؤال، علمت أن المعلم قال له أمام الطلبة إنه منافق بسبب تأخره في العودة للفصل بعد أداء صلاة الظهر في المدرسة».وقالت أم سارة علي: «كادت معلمة أن تتسبب بعقدة نفسية لابنتي بعد أن تكرر استخدامها لكلمة «غبية» أمام زميلاتها بالفصل؛ حيث بدأت ابنتي تختلق أسباباً للغياب عن المدرسة، وبعد البحث في الأمر توجهت للمعلمة وطلبت منها عدم استخدام هذه الألفاظ مع الطالبات، وأحطتها علماً بما آلت إليه نفسية ابنتي كان بسبب هذا اللفظ، الذي اعتبرته المعلمة عادياً وتستخدمه مع أغلبية الطالبات».وأشار عمر عبد العزيز، طالب بالصف السابع إلى أن الطلبة اعتادوا سماع الشتائم من بعض المدرسين ليس فقط في الفصل، وإنما في الساحات وقت الفسحة أو العودة إلى المنازل، وأحياناً يكون المعلم ممسكاً بمكبر الصوت، ومنها نعتهم بأسماء الحيوانات أو صفات تشير إلى الغباء والجنون، وعندما نعبر عن استيائنا من الألفاظ، يبدأ المعلم بالحديث عن الأخلاق والقيم، وهو ما يجعلنا نشعر بتناقضه.وقالت عبير حسين، ولية أمر: «تقدمت بشكوى ضد معلمة في إحدى المدارس الخاصة بعد أن أخبرني ولدي أنها قامت برفع حذائها في وجه الطلبة بهدف التهديد، وعلى الفور قامت إدارة المدرسة بعد التحقيق في الحادثة بإنهاء خدمات المعلمة، مشيرة إلى أن اهتمام الأهل بالاستماع إلى شكوى الأبناء، يسهم في التصدي لهذه المشاكل اللاتربوية في المدارس. سلوكيات فردية وذكر إداري في إحدى المدارس الخاصة بالعين، أن الممارسات الفردية لا تعكس واقع المعلم في المجتمع التربوي التعليمي، مؤكداً وجود وثيقة أخلاقية معتمدة من قبل وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم ودائرة التعليم والمعرفة، يقوم المعلم بالتوقيع عليها قبل ممارسة المهنة، وتحظر الوثيقة هذه النوعية من الممارسات أو السلوكيات، كما توجد سلسلة إجراءات يتم اتخاذها ضد المعلم الذي تصدر عنه هذه النوعية من الألفاظ، تبدأ بالتحقق في الأمر، ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة، لافتاً إلى أن الأمر قد يصل إلى إيقاف المعلم عن ممارسة مهنة التعليم في الدولة. ضغوطات نفسية وأكد معلم في إحدى المدارس الخاصة، أن استخدام بعض المدرسين للألفاظ النابية مع الطلبة لا يمكن قبول تبريره، باعتبار المعلم قدوة ويجب أن يحافظ على مكانته بين الطلبة، إلا أن البعض يفقد السيطرة على سلوكياته لأسباب عدة، منها السلوكيات المستفزة الصادرة من بعض الطلبة، وما ينتج عنها من مواقف تجعل المعلم غير قادر على ضبط النفس، إضافة إلى أن المعلم بشر ويتعرض لضغوطات نفسية ومادية واجتماعية تقلل من قدرته على التحمل ويتعامل مع الموقف بعصبية. سلوك عدواني ومن جانبه قال أستاذ الدكتور ماجد الجلاد، عميد كلية التربية والعلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا: اتفق التربويون على أن العقاب النفسي الذي يتضمن توجيه كلمات وإيماءات السخرية والاستهزاء والتجريح والتوبيخ والتحقير، أشد إيلاماً وأبلغ تأثيراً في النفس من العقاب البدني، والعقاب النفسي يتوجه إلى الذات بالنقد والذم ويهاجمها ويكون تأثيره نفسياً؛ حيث يعمل على هدم ثقة الطالب بنفسه ويشعره بالنقص والسلبية والإحباط والانطوائية وعدم احترام الذات.وأضاف يتولد من هذه المشاعر التي تم ذكرها سابقا، اختلال نفسي قد يصعب علاجه، يظهر انعكاسه في السلوك العدواني والنفور من الدراسة والرغبة في التسرب، وما علينا فعله هو تعزيز السلوك الإيجابي ومعالجة السلوك السلبي بالطرائق التربوية الصحيحة ورفض كل صور العقاب النفسي والبدني الذي يهدم التربية ولا يبنيها. تلازم الطالب في حياته وأكد الأستاذ الدكتور مروان الزعبي، أستاذ علم النفس، ورئيس قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة العين للعلوم والتكنولوجي، أن الأستاذ يشكل القدوة لتلميذة، ويعتبر رأيه فيه من الآراء المهمة في تكوين مفهوم الذات عنده وأفكاره عن نفسه وعن قيمته لذاته. فرأي المدرس في الطالب، في كثير من الأحيان، له قيمة أكبر من آراء زملائه أو إخوانه أو والديه؛ حيث إن نعت المعلم للطالب ب«غبي» له وقع نفسي كبير على الطالب وقد يظل ملازماً له طوال فترة حياته.وأضاف أن الكثير من الطلبة انخفض تقديره لذاته وأصيب بالإحباط وتراجع مستواه الدراسي وكره العملية التعليمية برمتها لتوبيخ أو تعنيف لفظي تلقاه من معلمه، خصوصاً إذا كان للمعلم قدر كبير عند الطالب. وتشير بعض الدراسات النفسية إلى أن المعلم الذي يعتقد أن الطالب ذكي أو خلوق يتحسن مستواه العلمي والسلوكي، مقارنة بالمعلم الذي يعتقد أن الطالب الذي له ذكاء منخفض أو سلوك فوضوي يعد مزعجاً. كان هذا بمجرد الاعتقاد فكيف يكون بالتعنيف اللفظي أو الآراء السلبية الصريحة.وأكد ضرورة تجنب المعلم، استخدام العقاب اللفظي للطالب، لأن ذلك يؤثر بشكل كبير في دافعيته ومفهومه عن ذاته. وفي حال اضطر المعلم إلى استخدام التوبيخ في بعض الأحيان، فعليه ألاّ يوجه التوبيخ للطالب بشكل مباشر، بل يلجأ إلى التوبيخ الجماعي.
مشاركة :