إن المتابع للأحداث السياسية ولتطور السياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الألفية الجديدة يجد هناك كماً كبيراً من الأحداث السياسية الكبيرة التي أدت لبروز مفاهيم جديدة ومصطلحات لغوية استخدمت لتعريف حالة سياسية محددة أو لمناقشة مسائل دولية متعددة. بروز هذه المفاهيم والمصطلحات كان الغرض منها معرفة مدى أهمية هذه الأحداث وتأثيراتها على الأوضاع السياسية والدولية في منطقة الشرق الأوسط التي عُرفت تاريخياً بتعدد الصراعات السياسية والفكرية. وبما أن بعض هذه الأحداث السياسية اتضحت صورتها وتبين الكثير من نتائجها نستطيع القول: إن دول منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والدول المعتدلة بشكل خاص تواجه تحديات سياسية وفكرية متصاعدة سواءً في المرحلة الحالية أو في الأعوام القليلة القادمة. ولعل استخدام مفهوم تحديات سياسية وفكرية أكثر دقة وأعمق تعبيراً من استخدام كلمة متغيرات سياسية وفكرية. فما نقصده بمفهوم تحديات تواجه دول منطقة الشرق الأوسط يتمثل في عدة سياسات وممارسات تجعل أمر مواجهتها من قبل الدول المعتدلة سياسياً أمراً غاية في الأهمية، ومن هذه التحديات: أولاً: استمرار تعطل عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وذلك بسبب التعنت الإسرائيلي والتماهي الأمريكي مع الحكومات الإسرائيلية المتعددة. هذا السياسات الإسرائيلية تؤدي بشكل مباشر لاستغلال القضية الفلسطينية من قبل المتطرفين فكرياً لتأليب الرأي العام ضد الحكومات العربية المعتدلة بدعوى أنها لا تعمل على مساعدة الفلسطينيين مستغلين تعاطف العرب والمسلمين مع أهلنا في فلسطين. ثانياً: استمرار وزيادة وتيرة السياسات الإيرانية الثورية القائمة على تصدير الفوضى لدول منطقة الشرق الأوسط وخاصة للدول المعتدلة سياسياً. وإذا كانت هذه السياسات الإيرانية قائمة منذ الثورة الخُمينية، فإنها وجدت في الغزو الأمريكي للعراق العام 2003م فرصة مناسبة لزيادة نفوذها الثوري الفوضوي، مستفيدة من سقوط نظام عربي مُعادٍ لنظام الخُميني، وذلك بالتواجد الفعلي في العراق عن طريق الأحزاب الطائفية أو بتواجد عناصر الحرس الثوري الإيراني على الأراضي العراقية بغرض توجيه السياسات العراقية ودعم عملاء إيران في الداخل العراقي. هذه السياسات التدخلية الإيرانية تكررت في بعض دول مجلس التعاون الخليجي وذلك بدعم عملاء ومرتزقة إيران لغرض خلق فوضى سياسية تصب لصالح السياسة الإيرانية. ثالثاً: ضعف الاستقرار السياسي والأمني في الدولة العراقية نتيجة لسوء الإدارة السياسية خلال الأعوام الماضية أدى لغياب أو ضعف تطبيق القانون على جميع مكونات المجتمع العراقي. وعلى الرغم من وجود حكومة عراقية جديدة تبنت الإصلاح مشروعاً سياسيا، إلا أنها تحتاج لفترة زمنية لكي تستطيع إصلاح السلبيات التي حدثت خلال العشرة أعوام الماضية. وبالإضافة لذلك فإن العراق يعاني من ضعف سلطة الحكومة المركزية على جميع الأقاليم العراقية مما جعلها أرضاً خصبة للتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش الإرهابي. رابعاً: الحرب الأهلية في سوريا. فنتيجة لما وصلت إليه الأوضاع السياسية في سوريا وقيام نظام البعث السوري بتدمير الدولة السورية واستمراره في إبادة الشعب السوري خلال الأربعة أعوام الماضية وما زال مستمراً، زاد عدد اللاجئين السوريين بشكل كبير وخاصة في دولتي لبنان والمملكة الأردنية الهاشمية. هذا الحالة السلبية بزيادة عدد اللاجئين قد تضغط على اقتصاديات هذه الدول مما يتطلب دعم هذه الدول اقتصادياً من المجتمع الدولي لمساعدة الحكومات على الوفاء بمتطلباتها الداخلية. خامساً: عدم الاستقرار السياسي في اليمن والذي ازداد كثيراً بانقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية التي انتخبها الشعب اليمني والمتمثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته. مثل هذه التطورات قد تؤدي لنزاع داخلي قبلي ومذهبي وفكري بين مكونات المجتمع اليمني مما يعني اعلان سقوط الدولة اليمنية تماماً وخروجها من المشهد السياسي الدولي. سادساً: تصاعد وتيرة الجماعات والتنظيمات المتطرفة والارهابية خلال الأعوام الماضية. فبالإضافة للتنظيمات الإرهابية السابقة كالقاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة، ظهر تنظيم داعش الإرهابي الذي تجاوز في تطرفه التنظيمات المتطرفة السابقة ومتبنياً لفكر إرهابي يقوم على إلغاء كل ما جاء في الديانات السماوية والأعراف البشرية والمفاهيم الإنسانية في حفظ الدماء وصيانة الاعراض وتفعيل دور العقل. هذه التنظيمات المتطرفة والارهابية أدت لخلق صورة ذهنية سلبية لدى المجتمع الدولي خارج منطقة الشرق الأوسط مما يجعل المتطرفين في تلك الدول يستخدمونها للإساءة للإسلام والشعوب الإسلامية. كذلك هناك خوف كبير جداً من أن يؤثر هذا الفكر المتطرف على الأجيال القادمة في بعض الدول العربية غير المستقرة سياسياً والتي تمكنت هذه التنظيمات المتطرفة من التواجد فيها. هذه بعض الحالات السياسية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والتي تمثل تحديات فعلية للدول المعتدلة والمستقرة سياسياً. وعلى الرغم من أن هذه الدول المعتدلة استطاعت سياساتها الخارجية أن تتعامل بشكل أو بآخر مع هذه التطورات السياسية، إلا أن هذه التحديات ما زالت تتواصل بزيادة حالات عدم الاستقرار السياسي في بعض الدول العربية وزيادة التدخلات الخارجية والأهم من ذلك دخول الأفكار المتطرفة لساحة الصراع السياسي. وحيث إن مثل هذه الأحداث السياسية يتم طرحها باستمرار بطريقة أو بأخرى، فإن المهم هو التعامل معها على أنها تحديات فعلية وليست متغيرات آنية. فالمتغيرات تستطيع الدول التكيف معها بشكل أو بآخر وتعتبر من المسلمات في السياسة الدولية، أما التحديات فتتطلب سياسات خارجية لمواجهتها كما تفعل دول مجلس التعاون الخليجي من خلال العمل السياسي الكبير والمتقدم والذي أثبت نجاحه في تعامله مع كثير من التحديات السياسية الكبيرة خلال العقود الماضية. وإن شاء الله تعالى ستتمكن دول مجلس التعاون الخليجي المستقرة سياسياً وأمنياً من تجاوز كل التحديات مستقبلاً بفضل الله ثم بفضل جهود سياسييها وسياساتها المتزنة. *أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية جامعة الملك سعود
مشاركة :