قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق أن شعبة الإيمان الثانية، وهي الإيمان بالرسل الكرام منذ آدم -عليه السلام- الذي هو أول البشر، والذي علمه الله الأسماء كلها، فكان هذا العلم، هو اتصال بين الإله الخالق، وبين الإنسان المخلوق، وكان هذا العلم هو أول وحي يؤسس معرفة الإنسان، ويكون مصدرا لهذه المعرفة، تضاف إلى معرفته بالكون المحيط، ومن المعرفتين : المعرفة بالوحي، والمعرفة بالكون، تتكون المعرفة الصحيحة الكاملة، التي تهدف إلى عبادة الله، وعمارة الكون، وتزكية النفس، إلى خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.وأضاف جمعة في بيان له عبر صفحته الرسمية بفيسبوك أن الإسلام جعل مصدر المعارف الإنسانية من خلال قراءتين، أن القراءة الأولى في الوجود والثانية في الوحي، وأنهما قد صدرا عن الله، الأولى من عالم الخلق، والثانية من عالم الأمر { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ، وعلى هذا فلا نهاية لإدراك الكون؛ حيث إنه يمثل الحقيقة، لأنه من عند الله، ولا نهاية لإدراك الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تنتهي عجائبه، ولا يَخلَق من كثرة الرد»( )، وأيضًا لا تعارض بينهما حيث إن كلاًّ من عند الله، وهذا التأسيس يتأكد في قوله تعالى على صفة الإطلاق: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.وفي نفس السياق تأتي قضية القراءتين، وهو أن هناك قراءة للقرآن، وقراءة للأكوان، تشير إليها آيات سورة العلق، وهي أول ما نزل، حيث كرر الله فيها الأمر بالقراءة، وعلَّق الأولى على الخلق والثانية على الوحي، فقال تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ } ، والقلم إشارة إلى الوحي، كقوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}، نرى هنا أنه بدأ بالخلق وثنَّى بالوحي، وكأن الإنسان لابد عليه أن يطلع العالم وما حوله ليكون قادرًا على فهم الوحي، وكذلك لابد عليه من إدراك الوحي إدراكًا صحيحًا من أجل أن يغيِّر واقعه نحو التغيير الصحيح؛ ولذلك نرى أن الخلق والأمر يتكاملان في دائرة واحدة يصح أن نبدأ من أي نقطة منها فنصل إلى تمامها، ونرى قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ } فيه إشارة إلى تلك الدائرة.فمن ترك علم الأكوان وصل بعقله إلى عقلية الخرافة، ولا يستقيم له أبدًا فهم الوحي، ومن ترك علم القرآن أو ترك الوحي بجملته فإنه لا يقل في انتمائه إلى العقلية الخرافية عن ذلك الأول.وتابع جمعة: العقلية الخرافية عرجاء تسير على قدم واحد، أو عوراء ترى بعين واحدة، فهي ناقصة على كل حال، والعقلية العلمية هي تلك التي استوفت معرفتها من الأكوان، ومن الوحي، ومن هنا نعرف أي جريمة يرتكبها ذلك الذي ينحي الشعبة الثانية من شعب الإيمان، وهي الإيمان برسل الله سبحانه وتعالى، ومن هنا أيضا نفهم مراد الله من قوله في القرآن الكريم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) .
مشاركة :