لم يعد مقبولا اليوم أن يستمر الغرب بدوله الكبرى المهيمنة على الأمم المتحدة في مواصلته سياسيًّا وإعلاميا ومن خلال مراكزه الاستراتيجية ربط الإرهاب بالإسلام وتشويه هذا الدين الكوني العظيم، وإبقاء الإرهاب من دون توصيف أممي حقيقي، بعد الاكتفاء بربطه بالإسلام فقط، فيما الغرب نفسه يفسر الإرهاب الذي يقوم به (بيض مسيحيون أو يهود) بأنه عنف فردي أو جرائم ذئاب منفردة! حتى أصبح الوصف الذي تم نشره عالميًّا هو (الإرهاب الإسلامي) فيما بالمقابل وبحسب هذا التوصيف من الموضوعية إذن أن يكون هناك (إرهاب مسيحي) و(إرهاب يهودي) و(إرهاب بوذي)،... إلخ، طالما أن أصحاب هذه المعتقدات يقومون بالإرهاب أيضا، وطالما أن التعميم يطول فقط الأفراد المسلمين ويوصم الدين الإسلامي نفسه، بما قاموا به من أعمال عنف أو إرهاب! المنطق يقول أن يكون الميزان الدولي واحدا إذا أصر الغرب بإعلامه وسياساته على هذا الربط بين الإرهاب والدين الذي هو فقط الإسلام! { إن إرهاب (اليمين المتطرف) في الغرب في ظل انتشار الشعبوية واستهدافه المسلمين ومساجدهم في البلدان الغربية لا يختلف في شيء عن (الفكر المتطرف) الذي يتمثل في فكر المتطرفين الذين استخدموا (التأسلم السياسي) رداء لهم، فيما هو في الواقع إدعاء على الإسلام وليس تمثيلا له أو تعبيرا عنه! وعلى الغرب أن يرفض الإرهاب أيا كانت هويته، فكما يتضح في العالم أن الإرهاب لا دين له في النهاية، وأن الموبوئين بالعنف والتطرف والإرهاب ينتمون في الواقع إلى كل الأديان والمعتقدات والأعراق والبلدان من دون أن يكون إرهابهم وعنفهم في النهاية تمثيلا صحيحا لتلك الأديان أو المعتقدات أو البلدان، وكمثال نستذكر ما فعله المسيحيون في «البوسنة والهرسك»، وما فعله البوذيون في «ميانمار»، وما فعله الغرب المسيحي في عديد من الدول العربية والإسلامية وفي العالم بدءا من إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر وصولا إلى حروب الإبادة الأخرى، وما فعله متطرفون صينيون مثلا في المسلمين، بل وما فعله المتطرفون من معتقدات أخرى في مسلمي الهند،... إلخ. { في مجزرة نيوزيلندا لم يكن «برينتون تارنت» وحده، بل كان معه (3 مشتبه بهم آخرون) ولم يكن البيان العنصري لهذا السفاح اعتباطيا، بل منشورا على مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة من تنفيذ الجريمة البشعة التي استشهد فيها العشرات وأصيب فيها ما يماثلهم بإصابات خطرة، بل إن البيان استوحى فكره وخطابه من (نظريات شعبوية منتشرة) في أوساط «اليمين المتطرف» في الغرب التي تمجد في (البيض الغربيين) وتوجه خطاب الكراهية والعنصرية ضد كل من عداهم! وحتى الفيديو الدموي الذي تم تصويره ومن ثم حذف مقاطع كثيرة منه يؤكد حجم التعمد والقصدية في إيصال إرهاب هذا اليمين المتطرف ضد المسلمين إلى كل العالم! { إن المجتمع الدولي المتمثل اليوم في الهيمنة الغربية، عليه اليوم أن يقف أمام مسؤوليته (للتصدي لخطاب الكراهية واليمين المتطرف في الغرب وخطاب التحريض الأعمى ضد الإسلام والتصعيد والغلو وازدراء الإسلام والمسلمين في الغرب) وأن يراجع هذا الغرب إعلامه المنحاز ضد الإسلام والمسلمين وأن يراجع سياساته المتطرفة التي تمثل (إرهاب دوله) في العالم العربي والإسلامي! { هي ثقافة عنف وإرهاب عمل الغرب للأسف على نشرها في البلاد العربية والإسلامية كتجسيد لمشروعات غربية لهدم هذه الدول وتفتيتها وتقسيمها، بل وصناعة تنظيمات إرهابية، ودعم توسع الإرهاب الإيراني فيها، وفي الوقت ذاته تجاهل الغرب أفعى الإرهاب المتمثل في «اليمين المتطرف» وفي إعلامه وسياساته الخارجية الذي يتصاعد على أرضه ولا يعمل الغرب على معالجته فكريا أو ثقافيا أو سياسيا لأن التوجهات العامة لساسة الدول الغربية هي في الواقع (التجسيد الآخر) للتطرف السياسي في العالم! إن لم يراجع الغرب إعلامه وسياساته وثقافاته العنصرية وانتشار الإسلاموفوبيا في بلدانه فإن الإرهاب سيتنامى في العالم وعلى أرضه، حتى لو اعتقد أنه بوصم الإسلام والمسلمين بهذا الإرهاب قد حقق غاية مطلوبة لأهدافه واستراتيجياته فيما الغرب هو الذي يخلخل اليوم كل المبادئ والقيم والحقوق التي يدعي أنه يقودها في العالم!
مشاركة :