* د. بلقيس دنيازاد عياشي – في يناير المنصرم أحدثت شركة IBM ضجة عالمية عندما أعلنت عن تبنيها لنظام «الحوسبة الكمومية» من خلال طرح IBM Q System One، وهو أول كمبيوتر كمومي متاح للشركات. هذا الكومبيوتر وهو عبارة عن نظام موجود في علبة زجاجية أنيقة تبلغ مساحتها 9 أقدام مكعبة، ينشئ IBM Quantum Volume طريقة جديدة لتقييم إمكانيات الكمبيوتر الكمومي كنظام كامل، بدلاً من الاعتماد فقط على عدد وحدات البت. كشفت شركة IBM عن أول كمبيوتر كمومي في العالم يمكن للشركات استخدامه فعليًا لحل المشكلات التي كانت مستحيلة في السابق، حيث تحتل الشركة الصدارة في التكنولوجيا المتطورة ورائدة في مجال الحوسبة الكمومية، كما أن الغرض الرئيسي لتبني شركة IBM لمثل هذه التكنولوجيا هو دعم الابتكار وتطوير التعليم الداخلي والخارجي. تسمح هذه التقنية أيضا بفتح آفاق واسعة في العديد من المجالات مثل الكيمياء، علوم المواد، إنتاج الأغذية، الفضاء، وأهم أمر في هذه التكنولوجيا هي قدرتها على التنبؤ بسوق الأوراق المالية وما يحدث في البورصات، وحتى التنبؤ بتغيرات المناخ، الأمر الذي سوف يساهم في حل العديد من المشاكل التي تعيق الاقتصاد. مميزات خاصة يحتوي الكمبيوتر الكمومي على خصائص سحرية على ما يبدو تسمح له بمعالجة معلومات بأضعاف أكثر من النظام التقليدي، فالكمبيوتر الكمومي ليس مجرد كمبيوتر أسرع من التقليدي فقط، بل إنه نموذج مختلف تمامًا للحوسبة يتطلب إعادة التفكير الجذري في تغيير الأنظمة التكنولوجيا المعتمدة، وتبني الحوسبة الكمومية، وفي هذا الصدد صرحت الدكتورة Maria Schuld من Xanadu إلى Singularity Hub قائلة: «أعتقد أن هذه الخطوة العملاقة ستشهد تطورات كبيرة، وتحقق إمكانات هائلة». رهانات عملاقة إن الفرص الهائلة التي توفرها هذه التكنولوجيا، جعلت من كبرى الشركات العالمية تتنافس فيما بينها للاستحواذ على هذه الحوسبة، حيث تسعى كل من IBM و Microsoft وGoogle وغيرها من عمالقة التكنولوجيا والشركات الناشئة على حد سواء بوضع رهانات كبيرة على هذه التكنولوجيا، وفي الوقت نفسه تقوم حكومات الدول بالسعي للسيطرة على هذه التكنولوجيا، ففي ديسمبر أقرت الحكومة الأمريكية قانون مبادرة الكم الوطنية، الذي يقترح إنفاق 1.2 مليار دولار في سنة 2019 وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة على المعامل والأوساط الأكاديمية والشركات لتطوير تقنيات الحوسبة الكمومية. شروط معينة يقول الخبراء إن أجهزة الكمبيوتر الكمومية تعد واعدة للغاية، ولكنها بعيدة جدًا عن الاستعداد للتيار الرئيسي، إنها حساسة للغاية وتتطلب شروطًا معينة للعمل، علاوة على ذلك فإن أجهزة الكمبيوتر الكمومية اليوم ليست موثوقة أو بنفس قوة أجهزة الكمبيوتر الموجودة لدينا بالفعل، كما تصرح شركة IBM أنها ستستغرق من خمس إلى عشر سنوات قبل أن تصل الحوسبة الكمية إلى السيطرة بشكل كامل على أسواق التكنولوجيا. كما أن نظام IBM Q System One متاح حاليًا فقط كخدمة حوسبة سحابية لتحديد العملاء فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت قبل تبني هذه الأنظمة بصفة فعلية، وفي هذا الصدد صرح Jim Clarke مدير الأجهزة الكمومية في Intel: «نعتقد أن الأمر سوف يستغرق ما يقرب من عقد من الزمن قبل أن يغير الكمبيوتر الكمومي حياتك أو حياتي، نحن في الحقيقة على بعد ميل واحد فقط من سباق الماراثون هذا، لذلك يجب ألا نتحمس لذلك». فكرة مذهلة أذهلت فكرة الحوسبة الكمومية عقول العلماء منذ نحو 50 عاما، حيث مبدأ عملها يجري في العالم متناهي الصغر للمادة وفقا لمبادئ ميكانيكا الكم، وكما أن النظرية الكمية صيغت لحل المشاكل المعقدة التي تعجز النظريات الفيزيائية التقليدية عن حلها، فإن الحاسوب الكمّي صمم أيضًا لإيجاد طريقة لحل أنواع معينة من المسائل أو الاحتمالات التي لا يمكن حلها بالحواسيب العادية، ومن أجل أن يقوم بالعمليات الحسابية المعقدة. سرعة إجراء العديد من العمليات داخل الحاسوب الكمي كبيرة جدًا، حيث تفوق سرعة إجراء العمليات في الحواسيب العادية بنحو 3600 مرة، هذه السرعة تتيح الفرصة أمام عمليات البحث أو إيجاد الحل داخل الحاسوب الكمي لاختيار الإجابات الصحيحة، حيث تنفذ تلك العمليات من خلال عملية «التداخل الكمّي – quantum interference»، ولكن وفق ما يراه علماء أن تطبيق هذه التكنولوجيا قد يتأخر بضع سنوات ولن يكون ممكناً إلا في توافر شروط معينة، لكن الأكيد في الأمر أنه قادم لا محالة، وما تسابق كبريات الشركات التكنولوجية على الاستثمار فيها إلا دليل قوي على أن المستقبل سيكون لها. * دكتوراه في الاقتصاد والتأمينات والبنوك
مشاركة :