أصدر مشروع «كلمة» للترجمة في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي الطبعة الثانية من كتاب «الدين والدم- إبادة شعب الأندلس» للمؤلف ماثيو كار والذي نقله إلى العربية د. مصطفى قاسم. يتناول الكتاب كيف أنّ تاريخ الأندلس ينتهي عند الكثيرين بعام 1492، الذي سقطت فيه آخر ممالك المسلمين -غرناطة- أمام جيوش الملكين فرديناند الأراغوني وإيزابيلا القتشالية، مؤكداً أنهم يتناسون أنّ زهاء خمسمائة ألف أندلسي مسلم -لسبب أو لآخر- لم يغادروا مع ملوكهم المغلوبين وآثروا العيش في إسبانيا، وهي الفجوة في التأريخ والمكتبة العربية التي يملؤها هذا الكتاب. وقد ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة بحوث كثيرة حول آخر بقايا أيبيريا الإسلامية الذين أطلق عليهم الإسبان اسم «المورسكيين» الذي يعني «الأندلسيين الصغار»، لكن أياً منها لم يستطع أن يفلت من أسوار «الغيتو الأكاديمي»، كما فعل ماثيو كار بكتابه الرصين والمحايد والمتوازن والشامل الذي يقدم قصة المورسكيين ومصيرهم المأساوي لجمهور القراء العام والمتخصص على حد سواء. تبدأ القصة بالحرب التي دامت عشر سنوات لغزو مملكة غرناطة الأندلسية وانتهت بسقوطها في عام 1492 الذي كان في الوقت عينه بداية لعملية طويلة من التطهير الديني والعرقي «لإسبانيا المقدسة»، بدأت باليهود الإسبان في العام نفسه، ثم تحولت إلى المسلمين على مدى أكثر من قرن. يعرض الكتاب تاريخ هذه الأقلية المسلمة والتحولات الكبرى في علاقتها بالدولة والمجتمع، بداية من عام 1500، ثم ثورتهم في العام التالي. وعلى مدار العقدين التاليين أصدرت الدولة عدداً من المراسيم قُصِد بها الإجهاز على ما تبقى من ثقافة الشعب الأندلسي، ممثلة في الدين واللغة العربية وتقاليد اللباس -خاصة لباس المرأة وغطاء الوجه النسائي المعروف بالملحفة- وعادات المائدة والحمامات العامة والأغاني والرقص، وغيرها، فلجأ الناس إلى التُّقْية، وعاشوا ثقافتين: مسيحية إسبانية أمام الأعين العدائية المحدقة، وإسلامية أندلسية في الخفاء، ولذلك شكّلوا غالبية زبائن محاكم التفتيش الإسبانية الشهيرة على مدى العقود التالية. ثم جاءت الثورة الكبرى المعروفة تاريخياً باسم حرب البشرات في العامين 1569-1570، التي أراد الأندلسيون بها استرداد دينهم وثقافتهم، فكانت القاضية على كل أمل لهم. وتنتهي القصة بأبشع عملية طرد جماعي من نوعها في التاريخ، حيث تم طرد نحو ثلاثمائة ألف مورسكي إلى موانئ شمال أفريقيا، تعرضوا خلالها للتشريد والسرقة والسبي والقتل.
مشاركة :