مِن خِلَال تَعَامُلي اليَومي مَع النَّاس والأَصدِقَاء؛ وَجدتُ أَنَّ التَّأجيل؛ وإرجَاء الأمُور، ومُحَاولة اختلَاق الأَعذَار؛ لدَحرجة المَهَام وزَحلقتهَا مِن وَقتنَا الحَاضِر؛ إلَى المُستقبَل المَجهُول، هو السَّائِد والأَعَم..! أُحبُّ الطَّرَب، وأُردِّد دَائِماً الأَغَانِي التي تَجعلني أَفضَل، مِثل أُغنيّة «محمد عبده»: (خَلّينا فِي الحَاضِر)، أَو أُغنية «فَيروز»: (الآن الآن ولَيس غَداً)، لِذَلك وَضعتُ أُغنيّة «فَيروز» شِعَاراً لِي، حَتَّى أَستَشعر قِيمة اللَّحظَة الحَاضِرَة، ومَا فِيهَا مِن قوّةٍ وإنجَاز وطَاقَة..! أَصبَحتُ أَتمَلْمَل وأَتضَايَق مِن ذَلك الصَّديق؛ الذي كُلَّما طَرَحْتُ عَليهِ اقترَاحاً أَو عَملاً، يَصدمني بعبَارة: (خَلّينا نرتّبها فِي المُستقبَل). هَذه العبَارة قَاتِلَة، لأَنَّني أَملُك الحَاضِر، ولَا سَبيل إلَى امتلَاك المُستَقبَل..! صَديقٌ آخَر؛ أَطرح عَليهِ عَملاً أَو اقترَاحاً، فيَردّ عَليَّ قَائِلاً: (إذَا تَقَابلنَا نَحكي مَع بَعض)..! صَديقٌ ثَالِث؛ أُعطيه بَعض الأفكَار لتَنفيذهَا، فيُحبطني بقَولهِ: (هَذه أَفكَار تَحتَاج إلَى دِرَاسَة)..! أَعلَم أَنَّ الأفكَار الكَبيرة؛ والمَشَاريع الضَّخمَة؛ تَحتَاج إلَى دِرَاسَة، ولَكن الأَفكَار والاقترَاحَات التي أَتحدَّث عَنهَا؛ هي مَشرُوعَات صَغيرة، يُمكن أَنْ تُنجَز فِي لَحظَة، لَو وَجَدَتْ الهِِمَم العَالية، والإرَادَات القَويَّة..! وهُنَاك صَديقٌ رَابِع، كُلَّما طَرحتُ عَليهِ فِكرة أَو عَملاً، دَحرجني وزَحلقني بعِبَارتهِ المُهتَرِئَة حِينَ يَقول: (هَذه الفِكرَة تَحتَاج إلَى جَلسَة)..! ومِثل هَذه الأَفكَار، انتَقلت مِن الأَفرَاد إلَى المُؤسَّسات، فبَدل أَنْ نَقُول: (هَذه الفِكرَة تَحتَاج إلَى جَلسَة)، صِرنا نَقول: (هَذه الأَفكَار تَحتَاج إلَى لَجنَة)، ولَا يخفَى عَليكم عِبَارة الرَّاحِل «غازي القصيبي»: (إذَا أَردتَ تَعطيل مَسأَلة مَا؛ فشَكّل لَهَا لَجنَة)، ومِن قَبله قَال «أنيس منصور»: (لَو شَكَّل «موسى» -عَليه السَّلام- لَجنَة للخرُوج مِن مِصر، لمَا خَرَج مِنهَا حَتَّى الآن). حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟! بَقَي القَول: يَا قَوم، أَنتُم بَين خِيَاريْن: إمَّا أَنْ تَختَاروا استغلَال اللَّحظَة، والصّرَاخ بأَعلَى صَوت: (الآن الآن ولَيس غَداً)، أَمَّا الخيَار الثَّانِي؛ فهو أَنَّ الأمُور «يبغَالَها تَرتيب»، وتَحتَاج إلَى «جَلسَة» أَو «لَجنَة»، ولَا يُخفَى عَليكم أَنَّني مِن أَنصَار الخيَار الأوَّل، فلَيس هُنَاك أَقوَى مِن فِكرة حَان وَقتُها، كَمَا قَال أَحَد الفَلَاسِفَة.
مشاركة :