تونس - جدد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الأربعاء، المطالبة بتعديل الدستور بما يسمح بتحقيق التوازن في الصلاحيات بين الأطراف المكونة للسلطة التنفيذية، وهو توازن مفقود حاليا بسبب نفوذ واسع لرئيس الحكومة يوسف الشاهد ناجم عن تحالفه مع حركة النهضة الإسلامية الممثلة بأكبر كتلة في البرلمان. وفي إشارة إلى احتجاجه على تقلص دوره لصالح رئيس الحكومة، قال السبسي في خطاب بمناسبة عيد الاستقلال “سيكون من الأحسن التفكير في تعديل بعض فصول الدستور” مضيفا أن رئيس الجمهورية ليست له مهام كبيرة وأن السلطة التنفيذية هي برأس واحدة يسيطر عليها رئيس الحكومة. وأضاف “رئيس الجمهورية لم تعد له سلطة كبيرة.. لدي تحوير جاهز للدستور”. ولا يمثل هذا المطلب موقفا شخصيا من الرئيس التونسي، الذي يسعى لاستعادة صلاحيات أساسية للرئاسة تم سحبها وإعطاؤها إلى شخصية غير منتخبة بأي شكل لا في الرئاسة ولا في البرلمان، بل يمثل توجها متناميا في الشارع التونسي ووسط دوائر سياسية وقانونية متعددة بدأت تشعر بأن النظام السياسي الحالي يربك أداء السلطة التنفيذية ويعيق أداء مؤسسة الرئاسة لدورها. وبدا واضحا في الأشهر الأخيرة، وبعد الخلاف بين الرئيس قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، أنه جرى تهميش منصب الرئاسة وإعاقة الرئيس عن أداء دوره الذي انتخب لأجله وتحوّل إلى واجهة لتقاسم السلطة، والقرار بيد رئيس حكومة غير منتخب وحزب حركة النهضة، وهو ما يرفضه الرئيس السبسي. وكان الرئيس التونسي قد أشار إلى اختلال التوازن داخل السلطة في حوار مع صحيفة “العرب” في يناير الماضي، حين أشار إلى أن “الدستور في تونس يؤكد أن السلطة التنفيذية فيها رأسان: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وكل طرف حسب مشمولاته. وهذا أمر سلبي يحتاج إلى أن يتغير”. وقال في الحوار نفسه، كاشفا عن الأزمة التي خلقها النظام الحالي الذي يغلّب صلاحيات رئيس حكومة غير منتخب على الرئيس المنتخب، “إذا لم يوافق رئيس الجمهورية على الحكومة أو طلبت استشارته بشأنها، تصبح السلطة التنفيذية برأس واحدة فقط هو رئيس الحكومة”، مضيفا “لو كنا نريد شيئا آخر غير مصلحة تونس لتمسّكنا بنص الدستور الذي يقضي بضرورة أن يبدي رئيس الجمهورية رأيه في الحكومة ويوافق عليها قبل أن تتوجه إلى مجلس نواب الشعب (…) لأول مرة خرقنا القواعد لأن هناك أغلبية ذهبت في اتجاه هذا الخرق”. ويقول خبراء قانونيون إن النظام السياسي الذي تم الاتفاق عليه في فترة المجلس التأسيسي، وهي الفترة التي هيمنت عليها الشعارات والمزايدات، وترك فيها القرار للسياسيين ولمعارضين بلا خبرات ولا تجارب، خلق نموذجا غير موجود حتى في أرقى الديمقراطيات، مشيرين إلى أن رؤساء الحكومات في الغرب إما أعضاء في البرلمان يتصدرون أحزابهم ومن ثم يقودون الحكومات كما في الأنظمة الملكية، وإما يخضعون لسلطة الرئيس المنتخب كما في فرنسا مثلا. وحث هؤلاء القانونيون على إعادة النظر في الصيغة الحالية كونها تتناقض مع مفهوم الانتخابات ومرجعية الحكم بالاستناد إلى الشعب، إذ تعطي صلاحيات شبه مطلقة لرئيس حكومة يتم تعيينه دون أي انتخاب، وبالمقابل تحصر مهام رئيس الدولة في العلاقات الخارجية والدفاع، مع أنه تم انتخابه من الشعب اعتمادا على برنامج انتخابي يحمل خططا للتغيير الشامل، خاصة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والخدمات، وهي المجالات التي يتم وفقها التنافس على الرئاسة. ويتولى الرئيس المنتخب في إحدى أبرز مهامه حماية الدستور ومنع توظيفه وفق قراءات وتأويلات تتناقض مع روحه، وهو ما بدا واضحا من كلام الرئيس التونسي أمس، حين أشار ضمنيا إلى أن حركة النهضة تسعى إلى فرض تأويلات دينية تناقض مدنية الدولة التي بني عليها الدستور، ومثلت هوية تونس منذ الاستقلال. وضمن حديثه عن دواعي إجراء التعديل، تطرق السبسي إلى “الخلاف بينه وبين بعض الحساسيات السياسية، حول قراءة النص الدستوري في خصوص المرجعية الدينية”، في إشارة إلى حركة النهضة الرافضة لمبادرة رئاسية لإقرار المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وبحسب الرئيس التونسي، فإن “الدستور واضح في فصله الثاني، وينص على أن تونس دولة مدنية”. وقد تستفيد الحركة ذات الخلفية الإخوانية من تحالفها مع الشاهد لتعطيل هذه المبادرة التي تحوز على دعم واسع بين الحقوقيين والمنظمات المدنية والنقابات والأحزاب.
مشاركة :