إن ارتباط القضية الفلسطينية بالعنف الإسلامي المسلح يعود تقريبا إلى سنة 1948م أي إلى سنة النكبة كما أطلق عليها ففيها نشط الخطاب الجهادي القطري أولا، ثم تحول إلى خطاب قومي إسلامي، واستمرت هذه الحالة إلى الثمانينات تقريبا حيث تحول الخطاب إلى أممي إسلامي هل صح ما قيل من أن الإرهاب ارتبط أولا ويرتبط حاليا بالقضية الفلسطينية؟ تلك المشكلة التي شكلت ولا زالت تشكل وعي أجيال من العرب والمسلمين منذ قيام دولة إسرائيل واحتلالها لدولة فلسطين السليبة. لا شك أن هناك أجيالا من العرب عموما والمسلمين على وجه الخصوص وعت على مظلومية واضحة للعيان تتمثل في الاحتيال السياسي والسلوك العدواني لدولة إسرائيل منذ سنة 1948م وحتى هذه الأيام، كل هذه الأمور تحدث بشكل يومي، وبوتيرة يتخللها الدهاء والمراوغة وبذريعة أمن إسرائيل. والعرب ومن ورائهم الأمة الإسلامية كانوا يسمعون عما يحدث أو يقرؤون عنه واستمرأ الكيان الإسرائيلي التجاوزات وطورها، وكانت المعلومة وقتها عزيزة ومتعثرة كما كانت الصورة شبه غائبة أو مغيبة؛ ولكن ما حدث بعد ذلك أي تقريبا في بداية تسعينات القرن الماضي هو دخول النت حياة الناس فشاعت المعلومة وانتشرت وبشكل مجاني تقريبا، وأصبح الهاتف المحمول يخبر بكل ما يصل له في التو واللحظة، وأصبح تناقل الأخبار أمرا شائعا ومتاحا للجميع وأصبح تناقل أخبار الأرض المحتلة شفافا وآنيا ومتوفرا. في هذه الفترة بالضبط نشأ التطرف الديني الأممي. الذي وظف كل ما وصلت يده إليه من خطاب متطرف يدعم ويبرر مسلكه، سلاح فتاك وأموال. ولنعد هنا إلى قضية فلسطين، إن ارتباط القضية الفلسطينية بالعنف الإسلامي المسلح يعود تقريبا إلى سنة 1948م أي إلى سنة النكبة كما أطلق عليها ففيها نشط الخطاب الجهادي القطري أولا، ثم تحول إلى خطاب قومي إسلامي، واستمرت هذه الحالة إلى الثمانينات تقريبا حيث تحول الخطاب إلى أممي إسلامي ولو تتبعنا بدايات هذا الخطاب ومدى تأثيره في نفوس الجماعات ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية؛ سنجد أنه حاضر ومفعل ومستدام. ولنأخذ نماذج منتقاة على ذلك ولنبدأ بحزب التحرير الإسلامي فلو تناولنا سيرة مؤسسه تقي الدين النبهاني الفلسطيني سنجد أنه أولا وقبل تأسيس الحزب عام 1953م تقريبا شارك في محاولة انقلابية فاشلة على ملك الأردن عبدالله بن الحسين، وكان موضع ثقة عبدالله التل قائد هذا الانقلاب وقائد معركة القدس وذلك سنة 1949م، وبعد ذلك بعدة سنوات1953م أسس حزب التحرير الإسلامي وأهم مبادئه إعادة الخلافة الإسلامية. أي تحولت الدعوة إلى الأممية بعد أن كانت مشكلته قطرية خاصة بفلسطين. هذا الرجل وبالرغم من أن حزبه مقيد بالمرحلة المكية في النشاط الحزبي؛ إلا أنه يرحب بكل انقلاب عسكري في العالم الإسلامي عموما وفي الوطن العربي على وجه الخصوص؛ لهذا تجد عناصر حزبه يبادرون إلى الذهاب إلى كل زعيم يعلن عن رغبته بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويعرضون استعدادهم لتأييده ونصرته والانضواء تحت حكمه إذا هو أخذ بالدستور الذي صاغه لهم النبهاني، وهذا ما فعلوه مع القذافي والنميري والخميني وغيرهم وهم حتى هذه الساعة على هذا المسلك. الشخصية الفلسطينية الثانية هي الدكتور عبدالله عزام (قتل في أفغانستان في ظروف غامضة سنة1989م) يعتبر هذا الشيخ الأب الروحي لأسامة بن لادن بل هو الأب الروحي لكثير من أعلام القتال في أفغانستان وأحد من كرس خطابه للعنف الأممي ونظّر له، ومن جاء بعده يعتبر عالة عليه يقول عبدالله عزام (إن الذين يظنون أن الجهاد في أفغانستان هو إغفال للقضية الإسلامية في فلسطين، هؤلاء واهمون غافلون لا يدركون كيف تعد القيادات، وكيف تبنى الحركات، وكيف تؤسس النواة، ليجتمع حولها الجيش الإسلامي الكبير الذي يطهر به الأرض من الفساد الكبير.) ولعبدالله عزام كلام طويل في أممية الجهاد والإعداد له بعد الانتهاء من الجهاد في أفغانستان مثبوت في كتبه واشرطته الصوتية كما أنه كتب رسائل مهمة في تصدير الجهاد. الشخصية الفلسطينية الثالثة هي أبو محمد المقدسي المنظّر المهم لأبي مصعب الزرقاوي (جماعة التوحيد والجهاد) ورفيق دربه في أفغانستان وفي السجن في الأردن بل كان الزرقاوي أميرا على أبو محمد المقدسي في السجن بعد تنازل الأخير عنها له، يعتبر أبو محمد المقدسي من المنظرين النشطين للحركة الجهادية في العالم الإسلامي، وكتبة ورسائله ترجمت بينهم إلى عدة لغات عالمية، بل هو مبادر نشط إلى مواكبة الأحداث، وتكاد أن تكون كتاباته هي المعتمدة عند الحركات الجهادية في شمال أفريقيا، بل إن بعض هذه الحركات قد أطلق على نفسه نفس الاسم الذي أطلقه أبومحمد المقدسي على موقعه (جماعة التوحيد والجهاد في شمال أفريقيا) مثلا ومن اللافت للنظر أن أيمن الظواهري لم يشر إلى أبي محمد المقدسي وذلك في حدود علمي ويقال إن المقدسي له تحفظات مبكرة على مسلك الظواهري وأتباعه ويرى أن لهم أخطاء شرعية. هنالك أسماء أخرى كان لها دور في التنظير لأممية الإرهاب وما ذكرناه هنا إنما هي نماذج غير حصرية ولعلنا نتناول الآخرين بشكل آخر. ما أريد قوله هو أن ما دعا هؤلاء انتهاج خط التطرف والقتال والعنف بشكل أممي هو مشكلتهم المستعصية قضية فلسطين واستعصاء حلها عندهم. يقول أسامة بن لادن في رسالة خطوات عملية لتحرير فلسطين: (وبناء على ما تقدم: لا بد من البحث عن دول خارج دول الطوق، يتم تحرك المجاهدين منها لتفتح الحدود بالقوة، لنصل إلى أهلنا في ربوع الأقصى المبارك، والفرصة الثمينة النادرة للصادقين في رغبتهم في تخليص الأقصى، هي بدعم المجاهدين في العراق بكل ما يحتاجون إليه، لكي يحرروا أرض الرافدين، وبذا يقومون بواجبين اثنين: هزيمة الحليف الأكبر للصهاينة ثم ينطلقون إلى الأردن، حيث إنها أفضل وأوسع الجبهات، فنصف سكانها هم من أهل فلسطين الذين هجروا منها سابقاً، ومن الأردن تكون الانطلاقة الثانية إلى الضفة الغربية وما جاورها، وتفتح الحدود بالقوة لاستكمال النقص في المقومات المطلوبة، لكي يتم تحرير فلسطين كلها من النهر إلى البحر بإذن الله. فهذا هو السبيل الشرعي وهو السبيل الواقعي العملي، بعيداً عن صرف الجهود بأقوال وأفعال معظمها لا تكف بأس سلاح، ولا تنكأ للعدو جراحاً.)ِِ
مشاركة :